السبت، 29 أكتوبر 2016

تحميل مقال علمي بعنوان :أثر علم الطب الإسلامي على الطب في أوروبا ..د.زكية القعود



أثر علم الطب الإسلامي على الطب في أوروبا،د.زكية بالناصر القعود، المجلة الليبية العالمية، العدد 8، يوليو 2016 ، تصدر عن كلية الآداب والعلوم -المرج ، جامعة بنغازي ، للتحميل من هنا أو من هنا.

ابن العباس المجوسي الأهوازي عاش خلال القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي...د.زكية القعود





 ابن العباس المجوسي الأهوازي(1) عاش خلال القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي:هو و على بن العباس الأهوازي، فارسي الأصل، عرف بالمجوسي(2)، تتلمذ على يد الشيخ أبوماهر موسى بن سيار(3)، وظهرت شهرته في القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي، و ذلك عندما ألف كتابه "كامل الصناعة الطبية" أو "الملكي"(4)  للملك عضد الدولة ابن بويه. وعرف في أوربا باسم هالي عباس(5)، وصارت مؤلفاته أساسا للدراسة هناك(6). 


لم يعرف تاريخ ولادته لدى المؤرخين، ولكن ثبت لديهم أنه من أطباء القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي(7). أما تاريخ وفاته فيقال إنه عام (384هـ/994م)(8)، ويقال حوالي عام (372هـ/983م)(9).
ويعد كتاب ابن العباس "كامل الصناعة الطبية" من أعظم الكتب الطبية وأشهرها، جمع فيه فن الطب بكامله في ذلك العصر، مشيرا إلى كثير من المؤلفين. ويقع هذا الكتاب، من حيث الحجم والمحتوي، بين كتابي "الحاوي" و "المنصورى"(10) ، وهو أكبر حجما من كتابي "فردوس الحكمة" للطبري و "غنى ومنى" للقمري(11)، وأصغر من"القانون"(12).
ويدل كتابه الآنف الذكر على معرفة واسعة، ليست مكتسبة من قراءة الكتب فحسب، بل مكتسبة من الملاحظات السريرية المباشرة.(13)
وتميز كتاب "كامل الصناعة الصبية" بالوضوح ودقة التنظيم في تناوله للموضوعات الطبية. وقد وصفه القفطي: "بأنه حسن التنظيم"(14). وتميز أيضا بكونه يقدم منهجا جديداً في البحث والاستطلاع، بوصفه العلل، كما فعل عند الحديث عن داء ذات الجنب، وهو الورم الحار الذي  يعرض للغشاء المستبطن لأضلاع الصدر، والذي يأتي من مادة تنصب إليه. وتميز كتاب "الملكي" بأنه من أسهل الكتب الطبية العربية(15) وأكثرها صلاحية للقراءة. كما أنه تميز عن كتاب "القانون" بأنه أبلغ من الناحية العلمية. وفي هذا يقول القفطي: "إن الملكي في العمل أبلغ، والقانون في العلم أثبت"(16)
ومن المزايا التي وضحها ابن العباس في مقدمة كتابه "الملكي" قوله: "وأما أنا فإني أذكر في كتابي هذا جميع ما يحتاج إليه، من حفظ الصحة ومداواة الأمراض والعلل وطبائعها وأسبابها والأعراض التابعة لها والعلامات الدالة عليها، ما لا يستغني الطبيب الماهر عن معرفته. وأذكر في أمر المداواة والعلاج والتدبير بالأدوية والأغذية ما قد وقعت عليه التجارب، واختارته القدماء،  مما قد صحت منفعته وامتحانه. وأحرجت "أي تركت" ما سوى ذلك. واستشهدت في كثير من المواضع بقول أبقراط وجالينوس المقدمين، لاسيما القوانين والدساتير في الأصول التي يستعملها أصحاب القياس، وعليها مبنى الأمر في حفظ الصحة ومداواة الأمراض "(17)
كما تناول "ابن العباس"  في مقدمة كتابه الآنف الذكر بعض النصائح التي يجب على صاحب مهنة الطب اتباعها وهي: "أن يتعلم علم الهندسة(18)، وذلك لأن الطبيب قد يحتاج إلى علم الهندسة ليعرف بها أشكال الجراحات، لأن الجراحة المدورة عسرة البرء، والجراحة المثلثة والمربعة وغيرها سهلة البرء؛ إذ كانت لها زوايا يتبدئ منها نبات اللحم".(19) كذلك نصح ا" ابن العباس" الأطباء فيما ينبغي عمله في قوله: "مما ينبغي لطالب هذه الصناعة أن يكون ملازما للبيمارستانات ومواضع الرضى، كثير المداولة لأمورهم وأحوالهم مع الأستاذين من الحذاق من الأطباء، كثير التفقد لأحوالهم والأعراض الظاهرة فيهم، متذكرا لما كان قد قرأ من تلك الأحوال، وما تدل عليه من الخير والشر، فإنه إذا فعل ذلك، بلغ من هذه الصناعة مبلغا حسنا. فذلك لمن أراد أن يكون طبيبا فاضلا".(20)
ولقد بدأ ابن العباس مؤلفه الآنف الذكر بنقد المؤلفين الذين سبقوه(21) على إخفاقهم في وضع كتاب شامل خالٍ من العيوب، مما يحتاج إليه أهل الصناعة، وغيرهم من حفظ صحة الأصحاء، وردها على المرضى. كما حاول في هذا الكتاب تفادي ما وقع فيه غيره ممن سبقوه من أخطاء،(22)  فجاء كتابه متقنا في العلم(23)
قسم المؤلف مصنفه "الملكي" إلى كتابين رئيسين: يختص الأول بالمبادئ النظرية، والآخر بالجوانب التجريبية. ويحوي كل كتاب عشرة فصول، ويتضمن أقساما . والمواضيع التي يحتويها الكتاب الأول هي :
1-         المصادر التاريخية والمبادئ العامة في العناصر والأمزجة وامتزاجاتها المؤلفة لمختلف أجزاء الجسم.
2-         علم تشريح الأجزاء المتجانسة ، كالعظام والأوردة الدموية والغضاريف واللحم والشعر والأظافر والغشاءات.
3-         علم تشريح الأجزاء غير المتجانسة، كالعضلات والدماغ والعيون والأنف والرئيتن والقلب والكلية ..ألخ .
4-         الملكات الثلاث : الطبيعية والحيوانية والنفسية.
5-    الظواهر الست (غير الطبيعية) أى الفراغ والرياح والحركة والسكون والشرب والأكل والنوم والصحوة والإخلاء والاحتفاظ (وتشمل الحمام والتزاوج) والانفعالات .
6-         تصنيف الأمراض وأسبابها .
7-         عوارض الأمراض، والتشخيص بواسطة النبض والبول، وأنواع الحمى والأورام والنفث واللعاب والعرق.
8-    الأمراض الخارجية الظاهرة ، بما فيها أنواع الحمى والأورام والآفات (كالجدري والبرص والجرب والحكة الشديدة)، والأمراض الخارجية المرتبطة تحديدا ببعض أجزاء الجسم، والجروح واللدغات وعضات الحيوانات ولسعات الحشرات السامة.
9-    أسباب وعوارض الأمراض الداخلية ، كالصرع وداء النقطة والسوداوية والرمد وأمراض الأذن وإصابات الجهاز الهضمي ..إلخ
10-       العلامات المؤذنة بقرب المرض أو دنو آفة قاسية وطويلة أو الموت أو الشفاء ، أو الإصابة ثانية بالمرض(24)
أما الكتاب الثاني التطبيقي ، فيحتوي على عشرة فصول في المواضيع التالية :
1-         مبادئ الصحة العامة والحمية ، والعلامات التجميلية والشفائية.
2-         علم المداواة بالمفردات، أي بالنباتات الطبية .
3-         علاج أنواع الحمى والأوريمات .
4-         علاج أمراض الجلد والحروق .
5-         علاج أوجاع الرأس والعيون والأذن والفم .
6-         علاج الأمراض النفسية .
7-         علم مداواة الجهاز الهضمي
8-         علاج الأمراض التناسلية والولادة .
9-    العمل باليد، أي الجراحة، وتشمل الفصد والكي وجراحة أجزاء الجسم المختلفة، وبالترتيب التالي : العين والأذن والأنف ..إلخ ، وتجبير الكسور والتواء المفاصل .
10-       وصفات تراكيب العقاقير المركبة(25).
وقد بقي كتاب ابن العباسالآنف الذكر مدة مائة عام هو الكتاب الرائد في الطب، قبل أن يطغي عليه كتاب ابن سينا "القانون" في الطب(26)، وترجمه إلى اللاتينية في القرن الخامس الهجري/الحادي عشر الميلادي قسطنطين الإفريقي، وصدر باسمه بعنوان "ليبري مانتشنى"، ثم ترجم الكتاب بعنوانه الأصلي "الملكي" من قبل اسطفان الأنطاكي في القرن السادس الهجري/الثاني عشر الميلادي، فكشف عن حقيقة قسطنطين الإفريقي الحجاب و اتضح أنه منتحل خبرة الكتب العربية(27).وترجمه "ستيفن" عام ( 1492م).(28)
ومن مآثر ابن العباس في مجال التشريح قوله إن للقلب تجويفين، وليس ثلاثة، كما ذكر أساطين الطب الذين سبقوه. ولكنه أخطأ عندما قال: إن هناك منفذا بين تجويفي القلب. ووصف الدورة الدموية في الأوعية الشعرية أثناء كلامه عن وظيفتي الانقباض والانبساط من وظائف الجسم الحيوية.(29)وكان وصفه قريبا جدا من الحقيقة. ووصف فقرات العمود الفقري، وفوائدها واختلافها، كما وصف الغضاريف والرباطات والأوتار والأعصاب والعضلات(30) وغير ذلك من المساهمات التي سوف نتطرق لها بالتفصيل في الفصل القادم .
ويتضمن كتاب "الملكي" وصفا لبعض  العمليات الجراحية التي تدل على ممارسته التشريح، كالشق على الحصى وعلاج الشريان العضدي الذي كان كثير الإصابة أثناء عملية الفصد، إذ يوصي، في حالة عدم جدوى القابضات والكي، بضرورة تشريح الشريان وربطه من الناحيتين، وقطع ما بين الرباطين(31).
ومما ذكر في علاج الورم المسمي "أنورسيما" قوله: "ينبغي أن تشق الجلد شقا بالطول، وتخرج ما في الموضع من الدم، وتكشف عن الشريان، وتعريه من الأجسام التي حوله، وتعلق الشريان بصنارة، ثم إنك تأخذ إبرة قد نظم فيها خيط من إبرسيم، وتدخلها تحت أحد طرفي الشريان وتعقده، وتقطع الخيط، وتفعل مثل ذلك من الجنب الآخر، وتنشف الموضع من الدم، وتضع على الموضع خرقا مبلولة بشراب ساعة، ثم تذر عليه قليلا من الملح، ثم المراهم المنبتة للحم. فإن كان حدوث هذا الورم عن شق الشريان، فينبغي أن تمسك بأصابعك كل ما أمكنك من الورم مع الجلد، ثم إنك تأخذ إبرة وخيط إبرسيم جيد الفتل، وتدخله تحت الورم من أحد جانبي الموضع في وسطه، وتخرج جميع ما فيه من الدم، ثم تعصر الجلد من جميع جوانبه إلى حد الموضع المشدود ، ثم تضع عليه رفادة غمست بشراب وزيت والمراهم المنبة للحم.(32) كما أورد في المقالة التاسعة عشرة وصفا لاستئصال الغدة الدرقية، وأشار إلى استخراج السوائل من الدمامل، وقدم وصفا لشفط البطن بعرض ثلاثة أصابع دون السرة، ووضح كيفية علاج الانسداد المخرج بعملية جراحية، ووصف عملية الفتح  وإدخال إسفنجة أو أنبوب من الرصاص خلال العضو المقطوع بعد فتحه لمنع الالتصاق(33)
الهوامش
([1])       انظر ترجمته في كل من :
      صاعد الأندلسي: طبقات الأمم ، ص 154-155. كذلك حاجى خليفة: كشف الظنون 2/ 1380 . القفطي: كتاب أخبار العلماء . ص155-156، سامى حمارنه: عبقرية الحضارة العربية ، ص251- 252 .
(2)       كان يطلق عليه لقب المجوسي لأنه كان مجوسيا قبل أن يعتنق الإسلام.        
(3)       القفطي : كتاب أخبار العلماء ، ص155.
(4)   طبع في بولاق (القاهرة، 1294هـ)، كما طبع باللغة اللاتينية في ليدن عام 1523م. وتوجد منه عدة نسخ خطية في مكتبات العالم  =انظر الخطاني، محمد العربي: فهارس الخزانة الملكية الحسينيه (الطب والصيدلة والبيطرة والحيوان).
 (5)      With IRAM.RUTKOW,M,D, M,F,H.DR.P.H.SURGERY.   publisleed  by  Mosby-year Book,Lnc.in collaboration  with Norman .Publishing.   p53
(6)       الدفاع ،على  عبدالله : اعلام العرب والمسلمين في الطب ، ص227.
(7)       أحمد شوكت : الطب العربي ، ص 137.السبت، 29 ربيع الاول، 1421    
8)        العبيد : الطب عبر القرون ، ص 270 .       
(9       محمد حسين : الموجز في تاريخ الطب ، ص 261.
(10)  مفتاح ذياب : مقدمة في تاريخ العلوم والحضارة الإسلامية، الهيئة القومية للبحث العلمي (طرابلس،1992) ص89.
(11)  هو أبو منصور الحسن بن نوح القمري. كان من أشهر الأطباء. وكان فاضلا في صناعة الطب وأصولها وفروعها. وكان جيد المعالجة والمداواة. يحترم مهنته. ذكر الأمراض ومداواتها على أفضل ما يكون، وله كتاب شهير اسمه "علل العليل".     انظر ابن أبي أصيبعة: عيون الأنباء، 2/370.
(12)     اولمان : الطب في الإسلام ) –بدون مكان ، بدون تاريخ) ص 140 .        
(13)      الهوني: تاريخ الطب والحضارة العربية، ص145.
14)      كتاب أخبار الحكماء ، ص 156.
(15)      الهوني : المصدر السابق ، ص 147.
(16)      المجوسي : المصدر السابق ، 1/ 6
(17) الهندسة :عرف " ابن خلدون " علم الهندسة ، يقول : ,,هو العلم الذي ينظر في المقادير إما المتصلة كالخطاء والسطح والجسم وأما المنفصلة كالأعداد فيما يعرض لها من العوارض الذاتية أن كل خطين متوازنين لا يلتقيان في وجه ولو خرجا إلى غير نهاية = انظر المقدمة ، ص 48.
(18)      المجوسي : المصدر السابق ، 1/ 7 
(19)      كامل الصناعة الطبية ، 1/ 6.  
20)      المجوسي : المصدر السابق ، 1/7.
(21) وهم أبقراط وجالينوس وأورباسس ( 326-302م) الذي كان طبيب يوليانوس الجاحد ، وبولس الإيجيني الذي كتب في الإسكندرية إبان دخول العرب إليها ( 21هـ / 642م ) ومعاصرة أهرو، الأقس ، ويوحنا بن سرابيون الذي كتب حوالى ( 259هـ / 873م ) رسالة في الطب بالسريانية والرازى =انظر رشدى راشد : موسوعة تاريخ العلوم العربية 3/117 .
(22)      المجوسي : المصدر السابق ، 1/7.
23)      القفطي : المصدر السابق ، ص 157.
24)     رشدي راشد: موسوعة تاريخ العلوم العربية . 3/ 1172.    
(25)     رشدي  راشد : المصدر السابق ، 3/ 1172.
26)     With emphasis an The Netherlands. A histary of  Surgery, 1988 MARTLNUSNLJHOFF PUBLISHRS.P28-29ا
(27      The legacy of  Islam :  Science  and  Medicine,  by  Max  Meyerhog,  pp. 345-346.انظر        
(28)     المصدر نفسه ،1/62-65.     
(29)     كامل الصناعة الطبية، 1/108.
(30)     المصدر نفسه، 1/62-65.
(31)     المجوسي : 2/469.
32)     المجوسي : المصدر السابق ، 2/462.       
33)     ا المصدر نفسه ، 2/464-466.    



تاريخ علم التشريح عند أطباء العرب المسلمين...د.زكية بالناصر القعود

     يحاول  الباحث هنا أن يهتم بجانب من التراث الطبي الإسلامي وهذا فى الحقيقة يعنى التاريخ له وللمرحلة التى نشأ فيها وإبراز الاكتشافات العلم...