الأربعاء، 1 يناير 2025

كتاب دور المرأة في مكافحة التطرف والعنف ..تأليف الدكتور زكية بالناصر القعود

 

   كتاب :دور المرأة فى مكافحة التطٌرف والعنف 

تأليف :د.زكية بالناصر القعود

(الناشر: عين حورس للطباعة والنشر والطباعة ، القاهرة ، 2024)

للتحميل من هنا

 

تٌعد مشكلة التطرف من القضايا الرئيسية التى تهتم بها الكثير من المجتمعات المعاصرة ، فهي قضية يومية حياتية تمتد جذورها فى التكوين الهيكلي للأفكار والمثل والأيديولوجية التى يرتضيها المجتمع.فالفكر المتطرف شأنه شأن أى نسق معرفي، هو ظاهرة اجتماعية تتأثير وتؤثر فى غيرها، مرتبطة إلى حد كبير بالظروف التاريخية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها من ظروف يتعرض لها المجتمع . وفى هذه الدراسة نهدف إلى تسليط الضوء على أهمية درو المرأة فى مكافحة التطرف، لان أغلب الباحثين تطرقوا إلى أٍباب التطرف وعلاجه دون التطرق إلى دور المرأة إلا نادرا، فالمرأة دور كبير ومؤثر فى المجتمع، للمسؤولية المنوط بها وهناك من يراها المجتمع كله ، فهي نصف وتلد وتربي النص الآخر.

 تناولت فى هذه الدراسة مكان المرأة فى المجتمع لتوضح أهمية ، ومساهمة المرأة فى صناعة التطرف من خلال الأسباب التالية (تدني المستوي التعليمي، والتوتر النفسي والبيئى ، الاجتماعي والاقتصادي والسياسي) ثم استعرضنا الأدوار التى يمكن تقوم بها المرأة فى مكافحة التطرف(الفكري، والأسري، والاجتماعي ، والاقتصادي ، السياسي ، الاعلامي) .ولقد استعرضنا هذا من خلال طرح الأسئلة التالية :-

- هل للمرأة دور فى صناعة التطرف؟

- هل للمرأة على استعداد لأداء دورها المنوط بها فى مكافحة التطرف؟ 

الخميس، 19 ديسمبر 2024

كتاب جوانب من الحياة الاجتماعية في إقليم طرابلس الغرب للتحميل

 

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لله حقَّ حمدِه، لا نُحصى ثناءً عليه، هو كما أثنَى على نفسِه، وأصلّّي وأسلِّم على مَن أرسلَه رحمةً للعالمين، وعلى آلِه وصحبِه.

هذا الموضوعُ يتناول الحياةَ الاجتماعية في إقليم طرابلس الغرب أبيان العصر الوسيط من القرن ) 7 - أوائل القرن 10 ه(؛ لإبرازِ جوانب من تاريخِنا الاجتماعي، لنكشفَ عن مَظاهر الحضارة الإسلامية في إقليم طرابلس، الذي لم تكرّس له الجهودُ الكافية من الباحثين والدّارسين. فهذا الموضوعُ يََحتاج إلى المزيدِ من الاهتمام من قبَل الباحثين والدّارسين؛ فهو يعكسُ التطوراتِ الثَّقافية، والأحداث السياسية والعسكرية التي مرَّ بها إقليمُ طرابلس الغرب في طوالِ هذه القرون من السابع إلى أوائل القرن العاشر الهجري. وسنعرضُ في هذا الصفحات بِنْية المجتمع والتََّّركيبة السكانية وطبقاتِ المجتمع المتعدِّدة، وصورًا من مظاهر الحياة الاجتماعية.

تهدف دراسةُ هذا الموضوع إلى تسليطِ الضوء على جوانب من الحياة الاجتماعية، للمُحافظة على الهويَّة والخصوصية لهذا الشعب وأرضه؛ إذْ أكثر ما يََجمع أمَّة ما هو تاريخُها المشترك والمُ تراكم عبرَ العصور المتعاقبة، وفيه من العِبرِ والدروس الماضية ما يُصلح حاضرَنا مِن معرفة أحوال قراها ومُدنها وحواضرها.

والله وليُّ التوفيق.


كتاب : جوانب من الحياة الاجتماعية في إقليم طرابلس الغرب

من القرن السابع إلى القرن العاشر الهجري

تأليف :د.زكية بالناصر القعود

(الناشر:كتابي للطباعة والنشر والتوزيع ، القاهرة ، 2024)


للتحميل من هنا 

الثلاثاء، 10 ديسمبر 2024

كتاب تاريخ إقليم طرابلس الإسلامي من القرن السابع إلى العاشر..تأليف الدكتورة زكية بالناصر القعود

 


عنوان الكتاب :كتاب تاريخ إقليم طرابلس الإسلامي من القرن السابع إلى العاشر.

تأليف الدكتورة زكية بالناصر القعود

الناشر: (شركة مطبعة السلام ،القاهرة ، طبعة الأولي،2024)

 لتحميل الكتاب من هنا

                                            

المقدمة

الحمد لله ربِّ العالمين، الذي أعان وأنعم، والصلاة والسلام على نبيّّ الهدى والرحمة؛ سيدِّنا محمدٍ، وأصحابه الذين اتبعوه ونصروه، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد: 

تعتبر دراسة تاريخ ليبيا في فترة العصر الوسيط، من القضايا المهمة في تاريخ ليبيا، وتاريخ المغر ب الكبير، ولا سيََّما أن هذا البلد ساهم بدور فعال في أحداث المغر ب الكبير في ظل الدولتين الموحدية والحفصية، إلا أن هذا الدور يحتاج إلى المزيد من الدراسة والاهتمام،للكشف عن، العلاقات المغاربية في ظل حكم الدولتين الموحدية والحفصية، وإبراز دور ليبيا في الحياة السياسية، بالتركيز على نظم الحكم والإدارة والاقتصاد، وجوانب من الحياة

الثقافية؛ لمعرفة إلى أي مدًى كانت إسهامات هذا القطر في الحضارة الإسلامية، بالإضافة إلى صور من الحياة الاجتماعية.

 ليس من السهل أن يُكتب في الجانب الحضاري في هذا القطر في الفترة بين القرن السادس والربع الأول من القرن العاشر الهجري، بمعزل عن تاريخ إفريقية والمغر ب الأقصى، خاصة في عهد دولتين الموحدين والحفصيين اللتين تتضمنا فترة الدراسة؛ لأن تاريخ هذا القطر – ما يسمى ليبيا حاليًا – في معظمه أوأغلبه كان مرتبطًا بتاريخ المغر ب الأدنى، الذي سيطرت عليه الدولة الحفصية بعد انسلاخها عن الدولة الموحدية في المغر ب الأقصى.

 وإن المطلع على هذه الفترة سيرى - بدون شك - من أول وهلة أنه من المبالغة السعي إلى الإحاطة الكاملة الشاملة بها، وهذا لا يبتعد عن الحقيقة، ولكن الباحث في هذا الموضوع يحاول تسليط الضوء على جانب من جوانب حضارية من خلال ما توفر بين يديه من المصادر والمراجع.

 وأن تعددت الدراسات حول هذا الموضوع؛ فإنني أرى أنه لا مانع مِنِ أن يَتناول أكثرُ مِن واحد مِن أهل العلم وأصحا بِ الأقلام الوطنية جانبًا من البحث في هذه الفترة، وا لمَبدأ في ذلك كشف تاريخ هذا القطر الذي لا يزال كثير منه يحتاج للدراسة والبحث، من خلال حُّوا في طرحها؛ كُلٌّ طرح قضية واحدة، أوقضايا محدَّدة، ويركِّز عليها الباحثون ويعا لجِونها، وُيُلِ بأسلوبه ومنهجه، حتى تتج ىلَّى وتتأكدَ من جميع جوانبها، وتصيرَ في إطارها ووضْعِها الصحيح من الناحية التاريخية، ولا نكتفي بطرحٍ واحدٍ أومعا لجَةٍ واحدةٍ لقضية ما، بل يَكتُب فيها كلُّ مَن يرى في نفسه القدرةَ على ذلك، وإن كان قد تناولها غيره، ولا شك أن لهذا النهج أثرَه في تعزيز وتدعيم مواجهة ما يقال، بأن طرابلس )ما يعرف بليبيا اليوم( في العصور الوسطي لم يكن لها تاريخ مستقل، أوليس لها إسهامات في الحضارة الإسلامية،كباقي أقاليم المنطقة – أوالدول - مثل تونس، ومصر، والمغر ب.

 وهذا البحوث والدراسات تناول زمنيًًّا الفترة ما بين القرن ( 6- 10 ه)، وجغرافيًًّا إقليم طرابلس الذي يمتد من سرت شرقًًا إلى صفاقس غربًًا، ومن البحر شمالا إلى غدامس جنوبا ، ونظرًًا لأن إقليم برقة من سرت شرقًًا إلى درنة كان ضمن التقسيم الإقليمي التابع إلى دولة الأيوبيين والمماليك في فترة الدراسة، من خلال المنهجية التاريخية المتبعة في هذه الدراسة  التى ترجع إلى فترة التاريخ الوسيط لا يمكن نطلق مصطلح «ليبيا » على هذا الامتداد الجغرافي،لأن هذا المصطلح لم يظهر إلا في العصر الحديث بالتحديد سنة 1911 م، وعليه سنستخدم مصطلح «إقليم طرابلس » أو «الطرابلسيين »؛ نقصد به المنطقة الغربية من أراضي ليبيا الآن،كما أن هذه الدراسة لا تشمل تاريخ إقليم برقة - المنطقة الشرقية - خلال هذه الفترة؛ وذلك لأن كلا من الجزء الغربي والشرقي – إقليم طرابلس وإقليم برقة - كان يخضع كل منهما لمنطقةمن الجزء الغربي والشرقي – إقليم طرابلس وإقليم برقة - كان يخضع كل منهما لمنطقة نفوذ الدول المجاورة له .

الجمعة، 17 مايو 2024

The emirate of the Banū Tellīs in the 15th c. CE / إمارة بني تليس في القرن 15 م

                        

Introduction

The Banū Tellīs are linked to the city of Bani Walid, ca 180 km SE of Tripoli. The name Warfalla — the local tribe which is also one of the major groups in Libya — could derive from arfala, an elevated place. A possible eponym ancestor would have been a certain Warfal, ultimately related to the Huwāra Berber confederation which was well established in the region comprising Bani Walid, Misrata, Msallata and Tarhuna when the Islamic conquest started.


At the late medieval period, Tripolitania had witnessed the expeditions of the Banū Ġāniya and Qarāqūš (an Ayyubid mamluk). It finally entered the scope of the Hafsid dynasty that had emerged in the aftermath of the heavy fight led by the Almohads against these guerillas, and consolidated with Abū Zakariyyāʾ Yaḥyā (r. 625-647/1228-1249). However, the city of Tripoli managed to oscillate between formal submission and quasi-independence.

The emirates of Tripoli

The Banū Ṯābit managed to seize the power after a revolt led against the Hafsid governor ʿAbd Allāh b. Muḥammad b. Abī ʿUmrān in 724/1324. This family enforced a dynastic power. They even conquered the island of Jerba and retained it until the middle of the century.

The Genoese captured Tripoli by a surprise raid in 756/1355 and sold it to Aḥmad b. Makkī (against 50,000 dinars) who thus became its new master for one and a half decades. His son ʿAbd al-Raḥmān assumed the throne when he died, but he was rapidly ousted by a fleet conducted by Abū Bakr, marking the return of the Banū Ṯābit in 772/1370. The latter negotiated with the Hafsids the (governorate) walāʾ against an allegiance (bayʿa) in due form.

The sultan of Tunis Abū Fāris took advantage of an internecine struggle to mount an expedition against the city and put an end to the emirate in 800/1398.

South Tripolitania

According to al-Tiǧānī’s Riḥla — he stayed in Tripoli in 708-709/1308-1309 —, the real authority there belonged to the Awlād Sālim (or the Sawālim; a branch of the Dab[b]āb). They had a mašyaḫa (local council) running the area of Bani Walid where some toponyms still bear the trace of this faction (e.g. wādī Ibn Ġalbūn or qaṣr Ibn Ġalbūn).

A conflict erupted in 706/1306 and caused the split of the mašyaḫa into two parts, one headed by the Banū Sālim (based in the qaṣr of Ibn Ġalbūn, by Misrata) and the other one headed by the Banū Zayyān (based in the quṣūr of Sūf al-Ǧīn, by Warfalla). A key evolution for the present study is that a movement of protest took ground against the heavy taxes levied by the Banū Zayyān. The pivotal figure of the šayḫ Aḥmad b. Tallīs succeeded to reunite both parties and Bani Walid was chosen as the center of his power.

The Banū Tellīs

It is said that Aḥmad b. Tallīs had fled Kairouan — where he had been accused of zandaqa — to Tripoli, then to Bani Walid. In his succession we find his son ʿAlī then his descendants Ḥamūda, Diyāb, Ġālib then ʿAlī the Second (son of Ġālib).

The issue of their zone of influence is still debated. Did it stretch between Barqa and the vicinity of Tripoli (e.g. Taǧūrāʾ) as a maximal extension?

They might have participated in the battle against the Spaniards in 1510 and they resisted the Ottoman occupation until they were ultimately defeated and exterminated in 1603.

The city of Beni Tellis

It was built in 750/1349 and covers almost one hectare. 300 wells have been dug and many quṣūr built, the most famous being qaṣr Banī Walīd. The political and economic strength of the state combined with an intellectual and spiritual flourishing attracting lots of ʿulamāʾ. Besides, a number of zawiyas were erected and we shall remember the renowned šayḫ Sīdī ʿAbd al-Salām al-Asmar al-Faytūrī whose teachings drew so many to Zliten.

The palace (qaṣr al-ḥākim, see below) is located in the western part. A development is dedicated to a reflection upon its plan that reminds us a standard Roman outline as it is the case for other Saharan cities, notably linked to a possible function of surveillance.


The mosque (see below) is situated between the northern-eastern walls and the cemetery.
On top of these monuments, we shall add a qaṣr for the judge (qāḍī) and a market (sūq, see below) held on Thursdays.

A stage of caravan trade, it was seen as a safe harbour, as testifies for example Ḥasan al-Wazzān when he describes the site as “led by a brave tribe whose members live free and have nurtured alliances with neighbour groups in the mountains”.

Agriculture was strongly favoured by the fertility that guaranteed numerous rivers (widyān, e.g. Sawf al-Ǧīn/Sawfaǧǧīn): olive trees and palm trees, supported by cisterns and wells. Besides, cattle breeding is practiced too.

Conclusion

Shortly, this pivotal period in the history of the region has left imprints in the texts and in the ground. Its preservation — by the Authority of Antiquities e.g —, on the one side, and its thorough analysis — by the academia —, on the other side, should be a priority.


ملخصا للمحاضرة التي ألقتها الأستاذة زكية القعود في وبينار ليبميد بتاريخ 24 نوفمبر2024

الأربعاء، 28 فبراير 2024

تاريخ علم التشريح عند أطباء العرب المسلمين...د.زكية بالناصر القعود


   يحاول الباحث هنا أن يهتم بجانب من التراث الطبي الإسلامي وهذا فى الحقيقة يعنى التاريخ له وللمرحلة التى نشأ فيها وإبراز الاكتشافات العلمية التى أسهم بها الأطباء المسلمون فى بناء الحضارة الإنسانية وتطور العلوم البشرية ، ولكن الباحث لا يُخفى خشيته من الخوض فى التاريخ العام للطب الإسلامي ومن تعداد مآثر الأطباء المسلمين ، لأن ذلك قد يوقعنا فى تكرار حقائق علمية أصبحت اليوم معلومات متعارف عليها . لذلك رأينا أن نقتصر على جانب واحد لم ينل حظه من الدرس ولم يعن به الدارسون عناية خاصة ونعنى به تاريخ علم التشريح عند المسلمين .

 أولا ً الحديث عن هذا العلم نحاول أن نلقى الضوء على التطور التاريخي لعلم التشريح عند العرب المسلمين وما أنجزته العقلية العربية فى هذا الحقل فى الحقبة التاريخية التى تبدأ من القرن الثالث الهجري إلى القرن السابع الهجري إذا لم ينل هذا الموضوع ما يستحقه من عناية واهتمام كبيرين من قبل الباحثين فى التاريخ الحضاري العربي الإسلامي فى قرونه المتعاقبة الطويلة .

وإذا كانت جمهرة منهم قد كشف أطرافا ًمعينة من هذه العلوم فإن بعض جوانبها ما زال غامضا لم يسجل تسجيلا كاملا أو يكاد ومن هذا تجئ أهمية هذا البحث الذى بين أيدينا .

 إذ يحاول الباحث أن يستقصى بروح علمية وأكاديمية مجتهدة فى الوصول إلى أعماق هذا التاريخ وأصوله لبيان دور العرب المسلمين الفعال فى اكتشافاتهم وتطورهم وأثرهم الكبير فى النهضة العلمية على العلم وفى العصور الوسطي .

 تعريف علم التشريح :-

 ويًعرف علم التشريح بأنه :- علم باحث عن كيفية أجزاء البدن وترتيبها من العروق والأعصاب والغضاريف والعظام واللحم وغيرها من أحوال كل عضو (1) وجاء فى " المعجم الوسيط " بأنه العلم الذى يبحث فى تركيب الأجسام العضوية بتقطيعها وفحصها (2) وفى " معجم المنجد الأبجدي " أنه العلم الذى يدرس تقطيع جثة الميت والبحث والوقوف على كيفية تركيبها وما فيها من علل (3) .

ومن هذا نلاحظ أن مادة (شرح) فى معاجم اللغة قد تطورت مدلولاتها من مجرد كلمة ينطقها العامة ، كما فى معاجم اللغة القديمة ، إلى مصطلح له دلالة علمية . وهذا إن دل على شئ فإنما يدل على تقدم العرب فى ميدان الطب والجراحة . 

 وأما علم التشريح فى المعاجم المتخصصة فقد عرفه :- كتاب Traite d anatomie بأنه العلم الذى يهتم بدراسة تكوين الكائنات المركبة وعلم التشريح البشرى ، هو الشعبة التى تهتم بدراسة جسم الإنسان (4) .

 ويقول " فير سال " فى تمهيده لكتاب " دوفيركا " أن علم التشريح يجب أن يكون القاعدة الوحيدة على الإطلاق لكل فنون الطب وعمدتها الأساسية (5) .

 أما أقسام علم التشريح :-

  يمكننا تصنيف علم التشريح وميادين ممارسته إلى ثلاثة أصناف هى :-

 1-  علم التشريح البياني أو الو صفى :-وهو العلم الذى يهتم بدراسة مختلف الأعضاء و الأجهزة التى يتركب منها جسم الإنسان . وهو أكبر شعب هذا العلم وأوسعها .

2-  علم التشريح الخارجي :- وهو العلم الذى يعنى بدراسة علاقة الأعضاء فيما بينها وأقسامها أو انعكاسها على الهيكل العظمى .

3-  علم التشريح المقارن :-وهو العلم الذى يعنى بدراسة التحولات المتتالية التى تحدث فى الكائنات الحية والاختلافات الموجودة بينها من ناحية تركيب الأعضاء المكونة للأجهزة من ناحية أخرى .

 ومع تطور العلوم ظهرت التخصصات الدقيقة الأخرى فمنها :-

 أ‌-       علم التشريح البنيوى أو النسيجي : وهو العلم الذى يدرس التكوين الدقيق لمختلف الأعضاء وأنسجتها .

ب‌-   علم التشريح غير العادي : ويضمن دراسة تشريح العاهات الخلقية (6) .

 أغراض التشريح :- هناك عدة أغراض يتم من أجلها علم التشريح وهى :-

 1-    الغرض التعليمي .

2-    غرض تشخيص الأمراض .

3-    غرض الكشف عن سبب الوفاة .

 من أغراض التشريح كذلك معرفة أسباب الوفاة المشتبه فيها . مثل حوادث القتل أو التسمم أوغيرها من الأسباب . ولمعرفة سبب الوفاة يُكلف الطبيب بتشريح الجثة للوقوف على السبب الحقيقي للوفاة (7) .

 التشريح عند الشعوب القديمة :-

 أثبتت الاكتشافات الأثرية سواءً فى بلدان الشرق أم الغرب أن الشعوب القديمة كانت على معرفة بعلم التشريح ، إذ تعد عملية التحنيط أول عمل تشريحي للميت ،يقوم به الإنسان ، على الرغم من أن عملية التحنيط هذه عملية تشريحية إلا أن لم يقصد منها المشاهدة والتمعن والتفكير فى تركيب جسم الإنسان وأعضائه واستخلاص الملاحظة من ذلك ، وربطها بعلم الطب ، إنما كانت تقام لمجرد حفظ جسم الإنسان لأهداف ومعتقدات دينيه محضة (8) .

 ويعد المصريون أول من أجرى عملية تشريح لجثة الميت ، إذ أزالوا أعضاءه الداخلية ، ما عدا القلب ، الذى كانوا يضنونه مركز الحياة وذلك من أجل تحنيطه وحفظه ، كما يشاهد فى الموميات (9) فلقد أورد المؤرخ " ماينتون " وأيده " بلين " أن ملوك الأسرة الأولى "الفرعونية " وجهوا عنايتهم إلى عمليات التشريح وطرق استعمالها والإمعان والتفنن غيها ، رغبة فى المستكشفات الطبية الدقيقة ، وترويجا ًلقواعد التحنيط ، وغرس احترامه فى النفوس لحماية المشتغلين به . ونستدل من ذلك أن فتح الجثة المحنطة لم يكن جريمة يعاقب عليها ، كما تعتبر وسيلة علمية من جهة ، ومن جهة أخرى تقوم بواجب التعظيم لمن تحنط أجسامهم على سبيل التكريم (10) . ومما يشهد على ممارسة التشريح عند المصريين كذلك تأليف كتاب فى التشريح فى عهد الملك الفرعوني " تناخوا " وجددت كتابته فى عهد الملك الفرعوني " رمسيس الثاني " ( 15ق م ) (11) .

أما البابليون فقد عرفوا التشريح سواء أكان على الإنسان أم الحيوان ، إلا انه كان يقوم على أسس بدائية غير صحيحة (12) . وذلك من خلال معرفتهم لبعض أعضاء الجسم الداخلية نتيجة تقطيعهم للحيوانات التى كانت تذبح إرضاءً للإله، أو لإطعام الناس ، أو نتيجة للحروب التى كانت تسفر عن مقتل عدد من الجند والناس فيعمدون إلى تشريحهم    ( 13) .

 وفى اليونان برز عدد من الأطباء الذين قاموا بدراسة الطب على أسس علم التشريح فمنهم " أرسطو " الذى اعتمد فى آرائه التشريحية على أسلوب التشريح المقارن . لأنه كان متعمقا ً فى دراسة جسم الحيوان ، واستمر التشريح بعده زمنا ً طويلاً  على الحال الذى تركه عليه أرسطو فلم يسهم من جاء بعده فى تطويره (14) . وفى العصر الهليستنى تقدم علم الطب بسرعة نظرا ً للحاجة الماسة لمعالجة الأمراض الطارئة ، التى كثرت فى المجتمعات التى تسودها حياة المدن . وقد شجع البطالمة الدراسات الطبية فى مدرسة الإسكندرية فلقد سمحوا بتشريح الحيوانات والجثث الإنسانية وأكثر من ذلك فقد كانوا يسلمون كبار المجرمين إلى الأطباء لكي يشرحوهم وهم أحياء ، هذا التشجيع جعل من التشريح علما ً مستقلا ً بذاته ، وأنهى عصر الغموض والخرافات التى كانت مقبولة من قبل أرسطو فى عام ( 285 ق م ) (15) . لقد كان العصر الأسكندري عصر نهضة وبداية حقيقية للتشريح وأول الأسماء المشهورة التى تقابلنا فى مجال التشريح منهم من هذا العصر .

 هيروفيل IHerophie وآرسيسترات Erasistrate قاما بتأسيس مدرستين متنافستين بالطبع ، ولكنهما موجهتان بنفس المبادئ ونفس الأساليب ، المتمشية مع مبادئ العلم الأسكندري إذ كان اهتمامهما منصبا على معرفة جسم الإنسان بدقة وعمل كل عضو فيه حتى يتمكن من التكيف مع الاستطباب فى كل حالة مرضية فلقد أنشأ الأول علم التشريح والثاني علم وظائف الأعضاء (16) .

 و " جالينوس " الذى خطا بعلم التشريح خطوات واسعة فكان أول من قرر أن الشرايين فى الحيوان الحي تحتوى على دم لا على هواء ، كما زعم " ارازستراتوس " ولكن فاته أن يذكر دورة الدم فى الأوعية التى فحصها " أبن النفيس " بعد ذلك بقرون عديدة وكان الأطباء من قبل يزعمون أن الدم يدور فى الأوردة والشرايين من الداخل إلى الخارج على نسق واحد (17) .

 عُرفت مؤلفات جالينوس باسم " منتخبات الاسكندرانيين" وهى جوامع لستة عشر كتابا ً ويقول :- أبو الفرج بن هندو فى كتابه " مفتاح الطب " أن هذه الكتب هى التى اتخذها الاسكندرانيون من كتب جالينوس وعملوا لها جوامع وزعموا أنها تُغنى عن متون كتب  جالينوس (18) .

 وظلت مؤلفات جالينوس أهم موسوعة طبية لفترة طويلة وفى الإسكندرية فى عصرها المتأخر فى القرن السادس الميلادي تخرج الطبيب الفيلسوف سرجيوس والطبيب إينيوس الآمدى وفى أول القرن السابع الميلادي كان هناك من الأطباء بولس الاجانيطى وإهرن وكان لكتب هؤلاء العلماء تأثيرا خطيرا فى دراسات العرب الأولى (19) . وفى السنة (22هـ/642 م )دخلت الجيوش الإسلامية إلى الإسكندرية بذلك تنتهي مرحلة العصر الهلينستى بمصر لتبدأ مرحلة أخرى للحضارة والعلوم وهى مرحلة الحضارة الإسلامية .

 التشريح عند العرب والمسلمين

 أولا التشريح عند العرب قديما ً:-

 عرف علم التشريح منذ وقت مبكر ومن الدلائل التى تشير إلى ذلك :-

  1 - مدرسة الأسكندرية :- حملت الأسكندرية مشعل الحضارة العلمية قرون عديدة ، وعلى الرغم من أنها امتداد للعصر الأغريقى فأن وطنها مصر ومقرّها الأسكندرية ، ولقد لعبت دورا ً مهما ً فى نقل التراث اليونانى إلى العرب ، حيث أمتزجت بها الحضارات الشرقية القديمة ( بابلية ، آشورية ، فارسية  ، وفنيقيه ) ونتج عن ذلك انبثاق حضارة شرقية رائعة للعالم ، هذا وقد استفاد العرب من العلوم التى كانت موجوده فى هذه المدرسة أثناء النهضة العلمية . ومن بينها علم التشريح (20) .

 2- عرف أطباء العرب قديما ً، من الأعضاء ما هو متشابه الأجزاء . وسموها الأعضاء البسيطة . و هى ما نعرفة اليوم بالأنسجة . وعرفوا الأعضاء المركبة مثل اليد التى تجمع عددا ًمن الأنسجة المختلفة ، وفرقوا بين الأعصاب الحركية والحسية ، وعرفوا الاوتار والاربطة والدماغ ، وفرقوا بين الأعصاب والأوتار فى مثل اصابات الرسغ . وهو تفريق مهم ولا يزال رأيهم فيه صحيحا ً (21) .

 3- كما عرف الأطباء القدماء عن طريق التشريح وظائف الأعضاء فى جسم الإنسان ، وذكروا أن أجسام البشر تشتمل على سوائل مهمه جدا ً كالدم والبلغم والمخاط (22).

 4- كما يبدو أن العرب كانت لديهم المبادئ التشريحية البسيطة خلال العهد الراشدى . ومما يدل على ذلك ما ذكره " ياقوت الحموي " فى أثناء حديثه عن حادثة اغتيال سيدنا " على رضى الله عنه " قال إنه لما جرح على ابن ابى طالب وجمع  له الأطباء لما ضربه عبد الرحمان بن ملجم ، وكان أبصرهم بالطب أثير بن عمرو السكونى الكوفى المعروف " بابن عُمريا" أخذ " أثير " رئة شاة حارة فتتبع عرقا ً فيها ، فاستخرجه وأدخله فى جرح الأمام على رضى الله عنه ثم نفخ فى العرق واستخرجه فإذا عليه بياض الدماغ ، إذ إن الضربه وصلت إلى أم الرأس (23).

 هذا يدل على التمرس والدرايه الكافية باعضاء جسم الإنسان الداخلية التى تكون أكسبها عن طريق التشريح . كما لو نظرنا إلى فائدة الحجامة والفصد والعروق التى تفصد من  الناحية التشريحية ، والتى مارسها العرب بشكل واسع منذ وقت مبكر ، لأدركنا أن الأطباء العرب كانت لهم بعض المعلومات الجيدة فى هذا المجال .فقد عرفوا منذ القديم عدد العروق المتواجدة فى جسم الإنسان والتى عادة ما تفيد لعلاج بعض الأمراض . ووصفوها وصفا ً جيدا ً ومن ذلك قوله ،،، القيفال والأكحل والباسليق ، وهو عند الرفق من البدن ناحية الإبط والقيفال(24) من الجانب الوحشي ويمشي إلى البدن ناحية الكف ، أما الأكحل فإنه شعبة متوسطة بين القيفال والباسليق وحبل الذراع ، وهو الزند االأعلى من اليدين ، والإسليم مكانة فى ظهر الكتف مع الخنصر والبنصر ، والصافن (25) مكانه على الكتف الأيسر .

 أما عرق النسا فعند الكعب من الجانب الوحشى ، وعرق الجبهه وهو المنتصب فى وسط الجبهه. وهو عرق الغضب . والأخذعان  العرقان اللذان يكونان على الصدغين والودجين والعنق وعرقان تحت اللسان هما الضفدعان ويسميان أيضاً الحالبين . أما منافعهما .فيفصد القيفال للمعدة لأنه يخفف الدم من فوق التراقى، وفصد الباسليق يفيد فى جذب الدم الردئ من الصدر والبطن ، وأما الاكحل جذب الدم من البطن ، وأما الاكحل منفعة للكلى والأرحام ، ومنفعة عرق النسا الورك إلى القدم . ومنفعة لأسليم الأيمن من الكبد والأيسر للحال، ومنفعة عرق الودجين من ضيق النفس ، أما تحت اللسان فللحوانيق ، أما عرق الجبهه فمن وجع العينين لاسيما إذا حدث من مرض صعب ، وأما الصدغان فللصداع والشقيقة (26) .

 ثانيا ً علم التشريح فى المؤلفات العربية :-

أ‌-   فى كتب اللغة :-اهتم اللغويون الاقدمون بموضوع الإنسان فألفوا الرسائل فى أسماء أعضائه وتبينوا الصفات المختلفة التى تعترى هذه الأعضاء واهتمامهم بالإنسان الذى ظهر من خلال تآليفهم اللغويه يشبه اهتمامهم بالحيوان . فقد ذكروا فى مؤلفاتهم الألفاظ الدالة على كل جزء صغير أو كبير فى جسم الإنسان وفى جسم الحيوان ، وربما سبقت عنايتهم بالحيوان على اختلاف أنواعة فى هذا الشكل من التأليف ، فقد ألفوا فى الحشرات ، وفى الخيل والابل والوحش . وكتب التراجم تشير إلى عدد مما كتب فى هذا المجال فمن ذلك ما نجده عند " أبى عبيدة  " مثلا ً فى وصف جسم الحصان حيث يقول فى وصف عنقه عُرفه وشكيرةهوعُرشاه وعلباواه وصليفه ولد يداه ودايانه ونخاعه وخرزته ومذمره وخششاواه ومذمره ولباه ، وسالفاه ومذبحه وحجرته وشواربه وبلعومه ومريئه وقصرته  وجرانه ودسيعه ولبانه . فإما عرفه فما نبت من الشعر أعلى عنقه ما بين منسجه وقذاله يقال للمعرف السبب ، وكما وصفوا الحارك والكتفين والصدر والقوائم الاماميه فى الخيل فقال فالحارك يسمى الغارب وتسميه العرب الكاهل ومركزه بين الظهر والعنق وهو ملتقى لوحتى الكتفين ومرتفع نتوءات بعض الفقرات الظهرية ، ويستحب فى الغارب أو لحارك بروزه أو أرتفاعه وشدته وخلوه من الدهن (27) .

 ووصف علماء اللغة عظام القوائم التى لا ترى بالعين فى قولهم وعن الفصل الوظيف والرسغ والحافر . يتركب من ثلاثة عظام تسمى السلاميات متصلة ببعضها من الأعلى إلى الأسفل بمفاصل ، ويسمى السلامى الأول . والذى يليه السلامى الثانى والأخير السلامى الثالث ، السلاميات تقابل عظام الاصابع عند الإنسان . واتصالها يكون على الوجه التالى يصل الطرف العلوى من السلامى الأول ( وهو أعلى السلاميات ) بالوظيف من الأعلى ويسمى موضع اتصالها مفصل الزر . كما أن طرفه السفلى يتصل بالطرف العلوى من السلامى الثانى من الأسفل . ويسمى موضع اتصالها " مفصل الاكليل " ويتصل الطرف السفلى من السلامى الثانى بالطرف العلوى الثالث والعظم الزورفى من الخلف ويسمى موضع اتصالها مفصل التاجى . يتألف الرسغ من السلامى الأول وقسم من السلامى الثانى . أما القسم الثانى من السلامى الثالث كله فيكونان فى داخل علبة الحافر (28) .

 وأول كتاب فى خلق الإنسان هو كتاب ابى مالك بن عمرو . ابن كركرة ثم تناوله النضر بن شميل 204 هـ وأبو عمرو الشيبانى  206 هـ ثم عرض الموضوع قطرب وهولقب محمد بن المستنير 206 هـ والمفضل بن سلمة 208 هـ وأبو عبيدة وهو معمر بن المثنى 210 هـ والأصمعى216هـ وأبو زيد الأنصارى 215 هـ وأبو زيد الكلابى 215 هـ وابو عثمان سعدان بن المبارك الضرير تلميذ أبى عبيدة . ونصر بن يوسف صاحب الكسائى . وأبن الاعرابى وأبو مسلم الشيبانى 245 هـ ومحمد بن حبيب 245 هـ وأبو حاتم السجستانى 255 هـ وأبو محمد ثابت بن أبى ثابت وراق أبى عبيدة وابن قتيبة 276 هـ والحسن بن عبد الله الكده (29) .

 واستمر اللغويون فى التأليف بهذا الموضوع طوال القرن الرابع والقرن الخامس الهجريين والقرون المتأخرة . فقد كتب فيه أبو محمد القاسم بن الانبارى 304 هـ وأبو موسى الحامض 305 هـ وأبو إسحاق الزجاج 311 هـ وداوود بن الهيثم المتوفى306 هـ ومحمد بن أحمد الؤشاء 325 هـ ومحمد بن القاسم لانبارى 328 هـ وأبو على القالى 356 هـ وأحمد بن فارس 395 هـ والصغانى 650 هـ وآخرون كثيرون وربما كان آخر من كتب فى هذا الموضوع السيوطى الذى استوعب الكثير مما صنفه الأوائل ورتبه وسماه " غاية الاحسان فى خلق الإنسان " (30) . وللأسف فقد ضاع معظم هذه الصفات ولم يصل إلينا منها إلا القليل . ومن أول ما وصل إلينا منها كتاب الأصمعى " خلق الإنسان " الذى ينقسم إلى ثلاثة أقسام . مقدمة عرض فيها مسائل عامة كالولادة والحمل والسن ، ثم تناول الوصف العام للإنسان ، ثم فصل أجزاءه مبتدئا بالرأس حتى أخمس القدم ، مشيرا الى صفات  الاعضاء ، ثم ختم موضوعه  بخاتمة عرض فيها  للاوصاف الخلقية و الخلقية  العامة  ، و اكثر فيه من الشواهد  الشعرية و الأمثال  . (31)

 وخصص ابن قتيبة  فصلين من كتابه "أدب الكاتب " لعيوب الانسان و أمراضه ، و الفروق بين الالفاظ التى يظنها الناس  من باب المترادف مما يتعلق  بخلق الانسان (32)

و لقد شغل موضوع "خلق الإنسان" السفر الأول و جزء مهم من السفر الثانى من " مخصص " ابن سيده و الذى سار فيه على نهج الأصمعى  (33)

 سأذكر فى هذا المقام بعض النماذج التى ذكرها  ابو اسحاق الزجاج :

فى كتابه " خلق الإنسان " يبدو ان الزجاج قد أفاد من " الأصمعى " كما  أفاد من غيره ، الا أنه لم يعن " كالأصمعى " بالشواهد الشعرية الكثيرة ، و قصر كتابه على موضوع خلق الأنسان فذكر الأبواب التى أغفلها الأصمعى  وهى باب الأذن و صفاتها ، و باب  الأست  و باب الفرج كما جاء بفوائد أخرى لم تكن فى كتاب ، حيث ذكر الزجاج فى كتابه هذا مفردات تشريحية مما يدل على دراية العلماء العرب بهذا العلم و شيوعه بين عامتهم ، و ليس بين خاصتهم فقط فنجد الزجاج مثلا : يصف الرأس بقوله : أعلى الرأس كله يقال له القلة ، العلاوة و الذؤابة و اليافوخ ، و هو من الرأس الموضع الذى لا يلتئم من  الصبى الا  بعد سنين ، او لا يشتبك بعضه ببعض ،  و هو حيث التقى عظم مقدم الرأس و مؤخرته و يسمى ذلك من الصبى الرماغة ، و يسميها بعض العرب  النمعة ( الذمعة ) ، و عظم الرأس الذى فيه الدماغ يقا له: الجمجمة ، و فى الجمجمة القبائل و هى أربع قطع مشعوب بعضها ببعض و يقال لها : الشؤون و الواحد شأن ، و يقال : ان الدمع يجرى منها ، و هذه تسمى الغاذية ( الغدة ) و فى الرأس الفراش و هى العظام الرقاق يركب بعضها بعضا فى أعالى الأنف، و فى الرأس القمحدوة و هى الحرف الناشز فوق القفا ، خرف القمحدوة يقال له الفأس (34)

         وقالوا فى بطن الإنسان " و فى البطن الكبد ، و فى البد الزائدة و هى قطيعة معلقة فيها الكبد ، و فى البد عمودها ، و هو المشرف فى وسطها ، و فى  البد القصب و هى التى تتفرق فيها ، و فى البطن الطحال ، و هى لاصقة بالأضلاع مما يلى الجانب الأيسر ، و فى البطن المعدة ، و هى من الإنسان بمنزلة الكرش من الشاة، و هى أم الطعام ، و أول ما يقع الطعام فيها ، ثم تؤديه الى الأمعاء ، و فى البطن الحشى و هى جميع مواضع الطعام ، و فيه الأعفاج و الأفتاب و اليها يصير الطعام بعد المعدة و هى أسفل الأمعاء يسمى القصب و فى البطن الرئة و تسمى السحر، و فى البطن الحوايا، و هى اسم الجمع ما تحوى الأمعاء، أى استدارة و فى البطن ، الكليتان ، و الواحد كلية و فى الكليتين عرقان يقال لهما الحالبان . و فى البطن السرة و السرة هو ما تقطعه القابلة " ( 35)

           مع أن هذه النصوص تدخل فى فقه اللغة، و المسميات التى وردت فى كتب اللغة لأجزاءالأنسان انما هى مسميات عربية خالية من العجمةإلا أن  ورودها فى كتب اللغة بهذه الدقة و التفصيل الشديد دليل على معرفة العلماء بهذه الأجزاء، اذ لولا معرفتهم بها لما وجدت فى كتب اللغة .

           مما يشهد على تلك المعرفة السابقة عند العرب الكثير من المسميات فهم عندما نقلوا عن غيرهم  ، لم ينقلوا سوى الأسماء و المصطلحات التى لم يكونوا يعرفونها. فنقلوها باسمائها الأعجمية مثل الجغرافيا و الاسطرلاب ........الخ ، وهذا نظير ما حدث معنا فى العصر الحديث  فقد نقلنا اسماء المخترعات عن غيرنا  باسمائها الأجنبية، مثل تلفون و كمبيوتر و ماكرافون ،ان هذه المصطلحات قد عربت فيما بعد و بدأت تأخذ مكانها فى الاستخدام .هذا ما كان عليه العلماء المسلمون الذين نقلوا العلوم المختلفة من غيرهم من الأمم ، فقد ترجموا  كل ما استطاعوا ترجمته ، و ما عجزوا عنه أبقوه بلغته الأصلية . من هنا دخل الكثير من المصطلحات و الأسماء الأجنبية الى اللسان العربى .

            وكما نلاحظ ان معظم المعاجم التى تناولت كلمتى شرح و تشريح ركزت على مصطلحات التبين و الكشف و مشتقاتها ،أما ما يخص علم التشريح فقد ركزت على ما فيه من الفوائد الجمة لمن مارسه ، كان فى ذكر تلك الفوائد  اعلانا عن مشروعية التشريح ، لأن علما له هذه المزايا يكون مباحا و ليس واجبا (36)

الأدب:

         من أمثلة ما ورد فى كتب الأدب من مفردات تشريحية ما جاء فى حكايات " ألف ليلة و ليلة " فى قصة الجارية " تودد " التى عرضت على  الخليفة "هارون الرشيد " بثمن باهظ ، لأنها تتصف بدرجة كبيرة من الذكاء الى جانب الجمال ، فأراد الرشيد امتحانها فكلف بذلك بعض العلماء ، و كان من بين الأسئلةالتى عرضت عليها أسئلة طبية تشريحية، فأجابت عن كيفية خلق الله الإنسان ، و كم فى جسده من عروق ، و كم عظمة فى فقراته و أين أول العروق ؟ خلق الله للإنسان سبعة أبواب فى رأسه ،وهى العينان حاسة البصر و الأذنان وهى حاسة السمع و المنخران و هى حاسة الشم و الفم حاسة الذوق و جعل اللسان ينطق بما فى ضمير الأنسان، و خلق فى الأنسان ثلاثمائة و ستين عرقا و مائتين و أربعين عظما .......و خلق له قلبا و طحالاو رئة و أمعاء........ و جعل الرئة مروحة للقلب ، و جعل الكبد فى الجانب الأيمن محاذية للقلب ، و خلق ما دون ذلك من الحجاب و الأمعاء و ركب ترائب  الصدر و شبكها بالاضلاع .... و جعل فى الرأس ثلاثة بطون  و  هى  تشتمل على خمس قوى تسمى الحواس الباطنية ، و هى  الحس  المشترك و الخيال و المتصرفة و الواهمية و الحافظة (37)

          و مما كتب فى العلوم الطبية و بينها علم التشريح فى كتب الأدب ، مسرحية نثرية اسماها " القلقشندى " المفاخر بين العلوم ، قدمها قاضى القضاة شيخ الإسلام " جلال الدين البلقينى " ذكر فيها نيفا و سبعين علما ـشخص فيها هذه العلوم فى يوم المفاخرة بين العلوم المختلفة . و علم الطب أحد هذه العلوم  .. فقد انبرى للقول  بعد علم الموسيقا ، فهاجمه و بين بعض مثالبه ، ثم قال : و أنى تنبسط بك الروح  مع  وجود السقم ، أو يستريح اليك القلب  مع شدة مقاساة الالم ، بل أنا  قوام الأبدان و غاية ملاك الإنسان بى تحفظ الأجسام و تتمكن النفس من استكمال قوتها النظرية و العملية بواسطة زوال الأسقام ، و انتقاء الألأم، مع ما يتضح من التشريح الذى هو أحد أنواعى من سر قوله تعالى : و فى أنفسكم  أفلا تبصرون (38) و ما يظهر من حالة الصحة و المرض  و سر الموت  .

          و من  الكتب الأدبية الفلسفية أيضا التى تناولت هذا الموضوع  رسالة  " حى بنى يقظان التى شهدت لمؤلفها (39) ببراعة فى تشريح الأجسام الميتة و الحية للحيوانات  لمعرفة موطن الحياة . فقام  بتشريح ظبية ميتة ، حيث أخذ يقلب  جسمها حتى وصل الكبد  الذى عرفه بانه العضو الذى يكون فيه الغذاء ، ثم وصل الى الرئتين ، فأخذ يقلبهما حتى وصل الى موطن القلب ــ فرأى القلب  ساكنا لا حركة فيه فشرحه فوجد فيه تجو يفين  أثنين : أحدهما  من الجهة اليمنى  و الآخر من الجهة  اليسرى ، و الذى من الجهة اليمنى  مملوء  بعلق منعقد ، و الذى  من الجهة اليسرى  قال  : لا شئ  فيه فقال : ربما يكون  مطلبى ،  فربما يكون  مسكن الروح و لمعرفة ذلك قام  بتشريح ظبية حية ، قام بتشريحها كما  نشرح اليوم الضفدعة فى المحتبرات المدرسية لنشاهد حركة قلبها و كرر  هذه العملية عدة مرات  على الحيوانات  التى كان  يصطادها ،  فوصل الى آلية عملية ، بها تسكن الروح ، بعد ان  لاحظ خروج بحار  أبيض من القلب ،  فأصبح لديه يقين  بان  هذا  البخار  هو الروح (40 )

          و هذه القصة و ان كانت أدبية فلسفية الا اننا  نجد  مؤلفها  مارس  التشريح فى عام (581 ه / 1185 م ) لمعرفة بعض الأشياء التى يجب أن يتعرف  عليها 

          و من الكتب  العلمية الأدبية التى تناولت علم  التشريح  كتاب " عجائب المخلوقات و غرائب الموجودات " للقزوينى حيث ورد فيه تشريح لجسم الأنسان  عضوا عضوا ،  فقد ذكر المؤلف  فيه بالتفصيل و ظيفة  العين و  العصب البصرى و كيفية الإبصار و العضلات المحركة للعين و الجفون و الأهداب ، كما وصف  وصفا  تشريحيا  للأنف و الأذن و الشفتين و الفم ، و تحدث عن الشعر و اللحية ، كما تحدث عن تشريح العنق و المرئ و القصبة الهوائية ، و تناول  وظيفة القفص  لصدرى و الاضلاع و اليدين و العمود الفقرى  و الساقين . كما ذكر تشريح الأجزاء الداخلية فى جسم الأنسان ، ووصف  الدماغ و القلب  و الكبد و القناة الصفراوية و المرارة و المعدة و الكلية (41)   

           أما اللحم  فهو  جسم حار  رطب فى كسو العظام ، فيستقيم الإنسان  . و الشرايين  جداول مضاعفة الجدران  تنتشر فى  كل  الثرأب  و هو الشحم الرقيق  من حرارة المعدة و يسهل انبساطها عند  امتلائها بالطعام . أما الجلد فهو   جسم مركب من الأعصاب و الاربطة و الشعر و العروق . و الغضروف  جسم يقع بين  اللحم و العظم و يساعد فى  الحركة و الاحتكاك .و هناك الأربطة التى تربط بين العظام ، و هى  تشبه الأعصاب فى  شكلها  .

            أما الشحم فهو جسم حار لطيف  فى أطراف  العضلات و الأعصاب ، و الأوردة التى تشبه الشرايين  و الغشاء الذى هو نسيج ليفى يحيط بكل الأعضاء الداخلية .

            و المخ  فهو  جسم مناسب يتواجد فى  تجويف  العظام ، و هو الذى تطلق عليه اليوم علميا  نقى العظام (42 ) 

 هذه النصوص الأدبية الفلسفية و الأدبية العلمية ، تدل على معرفة الأدباء  و العلماء المسلمين على اختلاف  تخصصاتهم بعلم التشريح و ممارسته عند الحاجة اليه ، كما أن هذا الأمر يوضح لنا انه لم يكن من اختصاص الأطباء فقط ، بل  أنه معروف لدى  الخاص و العام من العلماء المسلمين . و أخيرا لا ننسى قول  الفيلسوف  المعرى : عجبى للطبيب يجحد بالخالق من بعد دراسة التشريح (43 )

        

     قائمة الهوامش

 

(1)            حاجى  خليفة ، كشف الظنون  ، دار المثنى ( بغداد ، د،ت ) 1 / 408

(2)     أنيس  مصطفى ،  ابراهيم ، و أخرون : المعجم الوسيط ،  دار الفكز (بيروت ، د ت )1/ 480

(3)            معجم المنجد الأبجدى ، دار الشرق (بيروت ، 1962 )  ص254

(4)     كمى ، عبد المجيد : علم التشريح و الإسلام _رسالة ماجستير نوقشت بكلية الطب بجامعة محمد الحامس الرباط (سنة 1986 لم تطبع  )ص 16

(5)            كمى ، المرجع نفسه ، ص 17

(6)            كمى ، المرجع نفسه ص 12

(7)     شافعى بك  ، محمد زكى : دليل  الطب الشرعى ، الجمعية المصرية للأصلاحات و الدعاية الصحية ( القاهرة ، د ت ) ص 10

(8)     شكر ، قناديل موقف الدين من التشريح ، مجلة الدراسات ، تصدرعن ا لجامعة الاردنية ، مطبعة المتحدة المجلد 6 عدد 1 (بيروت 1979 ) ص 12

(9)            المرجع نفسه ، ص 14

(10)   جبار ، و لويس ريمر : صفحات من تاريخ  مصر الفرعونية الطب و التحنيط فى عهد الفراعنة ، ترجمة : أنطوان ذكرى ، مكتبة مدبولى (القاهرة ، 1996 ) ص 37

(11)   جرجى زيدان : تاريخ اللغة العربية من أقدم أزماتها الى النهضة العربية فى العصر العباسى مجلة الهلال مطبعة التاليف ا لسنة الثانية ( بيروت  ، 1895 ) 6 / 205

(12)   عطيو، حربى ، عباس  ،حسان حلاق : العلوم عند العرب أصولها و ملامحها الحضارية دار النهضة العربية (بيروت ، 1995 ) ص 28

(13)      حلاق  حسان  : مقدمة فى  تاريخ  العلوم و التكنولوجيا فى الشرق الادنى القديم ، ص 16 -17 

(14)      فروخ : تاريخ العلوم عند العرب ، ص 159

(15)      عطيو : العلوم عند العرب ، ص  285 

(16)      العابد : برهان مختارات من تاريخ الطب مطبعة الاتحاد دمشق 1990 ، ص 22

(17)   بلدى : تمهيد لتاريخ الاسكندرية ، ص 40 = كذلك أنظر تاتون  : موسوعة تاريخ العلوم العام ، ص 39

(18)      بطرس البستانى : دائرة المعارف ، 6 / 134

(19)      ابن أبىأصيبعة ، 2 / 238

(20)      بدوى ، عبد الرحمن : دراسات و نصوص فى الفلسفة و العلوم عند العرب ، ص 149

(21)      منتصر : تاريخ العلم ، ص 6 كذلك أنظر ، الشطى : تاريخ الطب و أعلامه ، ص 78 

(22)   حسين كامل : الموجز فى تاريخ  الطب و الصيدلة عند العرب (الجامعة الليبية بنغازى ) ص 44

(23)      حلاق :حسين ، مقدمة فى تاريخ العلوم ، ص 21

(24)      معجم البلدان ، 1 / 93

(25)   ابن الازرق ، أبراهيم عبد الرحمن بو بكر : تسهيل المنافع فى الطب و الحكمة ، دار الجمل ( القاهرة ، 1972 ) ص 50

(26)   أبى عبيدة : معمر بن المثنى كتاب الخيل بمطبعة- دائرة المعارف  العثمانية بحيدر أباد (الهند ، 1358 ه ) ص 23 -24 

(27)   السامرائى ، أبراهيم : كتاب الآنسان للزجاج مجلة المجمع العلمى العراقى المجلد السابع (بغداد ، 1961 ) ص 107

(28)      المرجع  نفسه ، ص 108 

(29)      السامرائى : المرجع السابق ،ص 109

(30)      المرجع نفسه  ، ص 110

(31)   الأرضروملى ، قدرى الخيل العراب و فضلها على الأنسال العالمية دار العربية ( بغداد ، دون تاريخ ) ص  45

(32)   أدب الكاتب ، لابن قتيبة، تحقيق  محمد محى الدين ، عبد الحميد ، دار السعادة ( القاهرة ، 1963 ) ص 101 – 120

(33)      السامرائى : كتاب خلق الأنسان للزجاج  ، ص 108

(34)      كمى : علم التشريح و الاسلام ص 16

(35)      الف ليلة و ليلة ، مطبعة مصطفى البانى القاهرة ، 1960 م ) 2 / 341

(36)      سورة المؤمنين ، الأية 12

(37)      صبح الأعشى فى صناعة الأنشا ، 14 / 211

(38)   بن طفيل ، أبوبكر : تحقيق البير نصرى نادر ، دار الشرق ( بيروت  ، 1986 ) ، ص 39 . انظر كدل داهش ، أنس على ظواهر  الحقائق العلمية فى رسالة حى بن  يقظان لابن طفيل ، مجلة الموصل ، دار الكتب ، العدد الاول (الموصل . 1977 ) ص 52  =كذلك فروخ ،عبقرية العرب . ص 124 

(39)   القزوينى ، أبو عبيدة بن محمد  : ضمن كتاب  حياة الحيوان الكبرى ، لصاحبه كمال الدميرى ، دار الفكر (بيروت ،د ،ت )2 / 109 – 117 =أنظر كذلك كتاب البغدادى ، أسماعيل باشا  : هدية العرفين اسماء المؤلفين و آثار المصنفين ، دار المثنى (بيروت ، د ، ت ) 1 / 373 

(40)      المصدر نفسه  ،2  / 117 

(41)   مصطفى  ، العانى  : الطب بين التراث و المعاصرة ، مجلة المورد (العراق  ، 1978 ) ص 234

 

كتاب دور المرأة في مكافحة التطرف والعنف ..تأليف الدكتور زكية بالناصر القعود

       كتاب :دور المرأة فى مكافحة التطٌرف والعنف  تأليف :د.زكية بالناصر القعود (الناشر: عين حورس للطباعة والنشر والطباعة ، القاهرة ، 2024) ل...