من
الظواهر الغريبة عن مجتمعنا والسائدة بين شبابنا في ظل المؤثرات الغربية
–الرومانسية – التي أخذوا يتعاملوا معها بأساليب مختلفة بعيدا عن موروثنا الثقافي
الإسلامي ، مما يعكس التقليد الاعمي لدى لشبابنا للثقافة الغربية .
وهنا نحاول تسليط الضوء على
هذه الظاهرة من خلال تعريفها والأسباب التي أدت إليها وعلاجها في مجتمعنا .
لا
يمكننا تتبع التطور التاريخي لنشأة الرومانسية وتطور دلالتها ، ولكن ممالا شك فيه
ان القرن الثامن عشر الميلادي هو القرن الذي بدأت فيه الرومانسية بالتبلور والتجديد.
أما اشتفاق الرومانسية جاء من كلمة romuius;glm ; ويراد به التعبير عن عواطف بحرية
مطلقة ، وهي تميل إلى انعدام التوازن وفقدان الانضباط .
و
تعمل الرومانسية على تغليب الشعور والوجدان والعاطفة على العقل والخبرة
والتجربة . فهي تهتم بإنطاق الأحاسيس والهوى –أي الحب- . وفكرة الحب في الرومانسية
قائمة على عناصر منها :
1-تعظيم
مشاعر الحب وإحلالها مكانة أولية
2-
تجسيد ظاهرة الحب في الرومانسية تدور حول المرأة
3-
الرومانسية فوق القوانين وضد الوجود الاجتماعي
4-
قد يؤدى الحب في الرومانسية إلى الرذيلة والإثم.
وهذا
يعني أن نظرتها إلى الحب لا كحب محض روحاني بل كحب عقيم يقود إلى الفراغ
والعبث .
ولو
نظرنا الى أسباب ظهور مذهب الرومانسي في أوروبا فإنه ترجع إلى تغيرات في الجوانب
الحياة منها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأدبية ، ومن هذه التغيرات
الثورة الصناعية في أوروبا هذه الثورة أحدثت تغيراً سريعاَ في صورة المجتمع
فيها ، فتحولت أوروبا من مجتمعات زراعية إلى مجتمعات صناعية .
ولعل
من الأسباب الجوهرية أسباب ظهور هذا المذهب ضعف أثر الدين في العقل و الحياة
الأوروبي وهذا ما تتضح من كتاب –أزمة الضمير الأوروبي لبول آزار . [1]
كما
وأن للمناخ العام في أوروبا انعكاساته المباشرة على الحياة الاجتماعية ومن
هذه الانعكاسات القلق الذي يعيش فيه الفرد وهو عامل من العوامل الاجتماعية التي
أدت إلى ظهور هذا المذهب.
ويعد
مذهب الرومانسية بأنه ثورة على الأفكار و القيم الكلاسيكية في أوروبا في
مجالات السياسية والاجتماع والفكر . وكان ذلك بسبب سيطرة الملكية الإقطاعية
والكنسية على أوروبا لفترة طويلة فكانت ثورة على تلك الأوضاع .
إذ
كان الكلاسيكيون قد آمنوا بالعقل وجعلوه وسيلتهم في الوصول الى الحقيقة أما
الرومانسيون فقد امنوا بالخيال وأحلوه محل العقل واحتكموا إليه وجعلوه
المنقذ الوحيد للحقيقة ومن مميزات المذهب الكلاسيكي. العقلانية والوضوح في
الفكر والموضوعية و تمجيد الأخلاق.
وبانتصار
المذهب الرومانسي على المذهب الكلاسيكي في أوروبا انتقل هذا المذهب
الى المنطقة المشرق العربي عبر الاتصال المباشر بالثقافة الغربية عبر معابر
متعددة منها الأعلام والكتاب والسفر و الترجمة بل والمناهج المدرسية الحديثة.
ولو
نظرنا إلى الأسباب رواج هذه الفكرة أو المذهب في حياة شبابنا اليوم – وهنا
لا نتحدث عن الرومانسية من الجانب الأدبي أو الفلسفي . بل كظاهرة يعبر بها
شبابنا عن عواطفهم ، حيث أصبح هذا المصطلح -الرومانسية - تعبير عن الحب ولكن
بطريقة وأسلوب الغرب ،دون إدراك الاثار الأدبية والاجتماعية التى قد تعكسها هذه
الظاهرة التي لا تتماشى مع ثقافتنا العربية الإسلامية .
ولو
رجعنا الى أسباب ظهور هذا المذهب فى أوروبا ، يمكن ان نقول تكاد تكون هي نفس
الأسباب التي مهدت لظهورها في مجتمعنا ، التي منها التغير السريع فى مجتمعات
اثر الثورة النفطية والبعد عن الدين و انتشار ظاهرة القلق بين الشباب هو انعكاس
للأوضاع الاجتماعية التي يعيشها الشاب العربي – إد يؤدي القلق بالفرد إلى القيام
بفعل أو أفعال قد يكون غير راضِ عنها ، كما إن القلق يهدر الطاقات ويمنع الذات من
الايجابية في الحياة .بالإضافة إلى خيبة الأمل التي يعيشها .
فهذه
الظروف أو أسباب هي التي جعلت من الشاب المسلم يبحث عن ما يشعره بذات ووجوده ، فظن
هذا لا يكون لا في الرومانسية التي يعيشها مع الاخر في صورة عواطف متدفقة
دون توازن وانضباط ، مع المبالغة في المشاعر ..و صاحب هذا الشعور يهرب من
واقعه وينعزل عنه لأنه لم يستطيع أن يجد ذاته في مجتمعه فيصيبه الآسي والحزن
والسأم ، إذ تجعله في غربه عن مجتمعه .. وهذا لأنه لا يجد إنسانيته
وقيمته ..فيظل يسعى في البحث عنها . أذن فالرومانسية رد فعل صادر عن الإحساس
بالملل والسأم.
اعزائى
القراء هل فعلا يمكن للرومانسية ان تخلصك من هذا الواقع ، ، أى أن العواطف دون عقل
يحركها هي الخلاص من هذا القلق والغربة والشعور بالسأم والملل ..ما أن الرومانسية
في الحقيقة ما هي لا وهم كبير ... فالحب فيها عقيم يقود إلى
الفراغ والعبث.
و
للتخلص من أوهام الرومانسية أو للتغلب على الأوضاع الاجتماعية ( القلق )
علينا أن ندرك ما الهدف من وجودنا و تقدير ذاتنا ومعرفة دورنا في
الحياة للحفاظ على القيم والفضائل .. فبدراكنا لقيمتنا ومعرفتنا حقيقة وجودنا
تتغير موازين الحياة عندنا نتحول من أداء هدم لذات والحياة إلى أداء بناء لذات
والحياة .
فبذلك
نخرج من هذا الوهم ما يسمى الرومانسية وان نكون عقل يحرك العواطف لا عواطف تلغي
العقل وهذا يكون في ظل مبادئ الدين وتتبع المنهج الحبيب محمد صل الله عليه وسلم.
ان
معرفتنا لغاية الوجود يعكس لنا قيمة الوجود ، إذ أن الوجود الانساني هو حامل
القيم والفضائل ، فالقيم لا تحي إلا في ظل الوجود الإنسان ..فغياب القيم في
المجتمعات ترجع إلى عدم احترام الإنسان لوجوده ، أي يرجع إلى عدم وعينا
بقيمة الوجود ، فنحن نحدد قيمتنا في الحياة بحسب درجة وعينا وكذلك بعلمنا وقوتنا
ومقاومتنا للصعوبات التي تواجهنا.
إذ
أن العلاقة بين معرفة الوجود والقيمة تأتي عبر الوعي ، وكلما كان وعينا لهذا
الوجود كلما قدرنا قيمتنا وأنسا نتنا ، وأن وعينا لما ينقصنا يعتبر خطوة أساسية
لمعرفة قمتنا .ناهيك عن أن وعينا للوجود –لماذا نحن موجودين – يزيد أو يقوي
أرادتنا أما الصعوبات ، كما يجعلنا قادرين على الوقوف في وجه التحديات والتشويهات
المستمر التي تقف في وجه القيم والفضيلة.
وإننا
عندما نتحدث عن إزالة السلبيات والأفكار الهدامة والتغلب على الشهوات أو السيطرة
على العواطف ، لا نعني نزع عنك الصفة البشرية ، أو التخلق بالشدة والقسوة والجفاء
..فإن طلبنا منك ذلك فيكون ذلك عبثا ، لان في هذا تعارض مع الطبيعية البشرية ، ولا
نطلب منك في نفس الوقت الفضيلة المطلقة ، ولكن نطلب ، أن يعمل العقل مع العاطفة
..ولعدم تغلب جانب على جانب لا يكون إلا بالتربية الروحية المستقاة من منهج الحبيب
في التعامل مع العواطف .
فلقد
وضح الإسلام أساليب التنمية الروحية ، إلا أن الأمر ليس بسهل فهو يحتاج الى
مجاهدة النفس وأهواءها ،فنذكر منها . قيام الليل ، ذكر الله كثيرا ،
تلاوة القرآن الكريم ، الأجواء الإيمانية ، الثقافة الإيمانية ، مخالفة الأهواء-
الصوم -، المحاسبة ، والنقد الذاتي . وغير من الوسائل التي تساعد الشاب المسلم على
التربية الروحية ،وتجعله على خلق كبير ، وفي هذا قال رسول الله
صل الله عليه وسلم قربكم مني مجلسا أحسنكم خلقا" .
فالتربية
الروحية تعكس أنوارها على النفس فيتجلى لها حقيقية الحب والأسمى ، والتي تتجلى فالله
وحبيبه رسول الله صل الله عليه وسلم ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم
حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم ).
كما
وأن معرفتنا للغاية لوجود ندرأك بها قيمة العمل ، فالذي لا يعمل
لا يعيش .
وقيمة
العمل في الاسلام تتعدى مجرد وسيلة لكسب لقمة العيش الى درجة إعلاء للذات وتقدير
لحق المجتمع على الفرد وحفظ لمكانته النفسية ومساعدة لتجديد نشاطة المعنوي والجسدي
، فالعمل في حد ذاته صحة نفسية والمواظبة عليه حفظ لهذا التوازن واستمرار للصحة .
وأن إهمال قيمة العمل والتوقف عنه يعتبر اولى مراحل الدخول في المرضى النفسي أو من
العلامات التي تنذر لهذا المرض ، وعلى الشاب المسلم أن يحدد خطة وبرنامج عمل مستمر
يصلح به حاله ينفع به غيره على ان يكون العمل من اجل الخير وابتغاء مرضاة الله الا
يدخل فيه شوائب الضلال او الفسق . ولهذا على الشاب المسلم ان يأخذ بأسباب وأن سعى
ان يغتنم الفرص .. ولا ينسى ان حبيبه المصطفي عمل راعيا وتجارا .
هذه
بعض الجوانب للعلاج اثار فكرة الرومانسية . كما وان علينا ان نعي أن هذه
الفكرة في حقيقة الامر ما هي الا ردت فعل على الواقع السيئ الذي يعيش فيه ،وهذا
الواقع لعلاجه وتغلب على الصعوبات التي تواجهك فيه ، لا يكون بهروبك منه أو
نعزالنك عنه بهذا المخدر الرومانسية –التي تؤدي بك الى الفراغ والضياع
والملل والإحساس بالغربة ، فهدا الوهم الكبيرة الذي يعيش فيها شبابنا اليوم
منتهزين المناسبات الاجتماعية الدخيلة لعبروا فيها عن –رومانسيته
-عواطفهم المتدفقة دون توان وانضباط يؤدي بهم الى الانحراف والخروج عن
القيم الدينية والاجتماعية .
الهوامش
-اتيان
سوريو : الجمالية عبر العصور ، ترجمة ميثال عاصى ، بيروت ، 1982
-
شكرى محمد عياد : المذاهب الاوربية والنقد عند العرب والغربيين ، الكويت
،1993
-
سامي خرطبيل : الوجود والقيمة ، دار الطليعة ، بيروت 1980م.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق