الثلاثاء، 6 سبتمبر 2016

نداء لتدريس فلسفة العلوم ....د. زكية القعود

مما تعارف عليه أن الفلسفة هي حب الحكمة والسعي وراءها ، وليست الحكمة في ذاتها . كما وأن الحكمة والمعرفة ليستا شيئا واحدا .. فمن المعروف أن أحكم الناس ليس دائما أولئك الذين بلغوا أعلى المستويات الأكاديمية . فالحكمة تتضمن نضجا في النظرة ، وفكرا ثاقبا وفهما وإدراكا ، ما لا تستطيع المعرفة وحدها أن تؤكد وجوده ، وهناك من يضيف قيدا أو شرطا آخر للحكمة وهو معرفة تطبيق المعرفة والقدرة على تطبيقها ، ومن هذا يتبين أن الحكمة لها مكونات أو مقومات هي الشمول واتساع النظرة والبصيرة والنظرة التأملية ، والمعرفة ، معرفة تطبيقها أو المعرفة المقرونة بحسن التصرف .. وهذا ما نحتاج إليه في طرق تدريسنا للمواد الدراسية للطالب.

  لنخلق منه أنسانا حكيما يعتنق النظرة الشاملة ، فيقدّر كل المعلومات الممكنة ، ولا يقتنع بزاوية واحدة أو ميدان واحد للخبرة فهو يهتم بجميع ميادين الخبرة الإنسانية . وهو من جهة أخرى يمتاز بنظرته الواسعة التي تمكنه من أن يرى الأشياء في مجال أوسع ويقدر مغزاها الحقيقي وأن يتجاوز الحدود الضيقة للاهتمامات الخاصة والمصالح الفردية ، وبذلك يصبح في وضع يمكنه من أن يحكم حكما نقديا ذكيا ... كما أن الرجل الحكيم ليس سطحيا ولكنه يمتلك البصيرة .وهذا ما يحتاج إليه هذا الجيل الذي بين  أيدينا ، وهذا لا يكون إلا بتكوينه وتعليمه بوسائل علمية تمكنه من هذه المقومات التي تكمن في فلسفة العلوم .

  إذ علينا قبل أن نكون مدرسين أن نكون تربويين ، وهذا يتطلب من المدرس أينما كان موقعه في سلم التعليم العالي أو المتوسط أن يمتلك وجهة نظر تربوية محددة أو مجموعة من المبادئ والمعتقدات  والقيم يسعى إلى تطبيقها في المجال التربوي . لأن هناك علاقة وثيقة بين المعلم العام  ( الفيلسوف أو الحكيم العام )  وبين المعلم التربوي ( الفيلسوف أو الحكيم التربوي ) ، منبثقة أصلا من العلاقة القوية بين الفلسفة العامة والفلسفة التربوية . وفي هذا الإطار نشير إلى أحد هذه التعريفات التي توضح ذلك ." إن الفلسفة التربوية هي تطبيق النظرة الفلسفية والطريقة الفلسفية في ميدان الخبرة الإنسانية التي نسميها التربية " فلسفة التربية تعمل على نقد العملية التعليمة التربوية وتعديلها والعمل على اتساقها وتوضحيها حتى تتلاءم هذه الخبرة الإنسانية مع الحياة المعاصرة . وفلسفة التربية تتضمن " البحث عن مفاهيم توجه الإنسان بين المظاهر المختلفة للعملية التربوية في خطة متكاملة شاملة وتتضمن أيضا توضيح المعاني التي تعتمد عليها التعبيرات التربوية وتعرض الفروض الأساسية التي تعتمد عليها المفاهيم التربوية وتنمي علاقة التربية بغيرها من ميادين الاهتمام الإنسانية " .
 وهذا ما نحتاج إليه في العملية التعليمية لبناء جيل يرفع هذا الوطن والأمة ...جيل يرى في العملية التعليمة بناءً عقليا وأخلاقيا وبذلك تكون العملية التعليمية أسهمت في خلق كيان قوي لهذه الآمة من أبنائها .

 في حين نرى العملية التعليمية في الوقت الحاضر هدماً واستهتاراً بالعقل في كثرة المقررات المواد الدراسية في مدارسنا وجامعتنا لغياب الربط بين العلاقة بين المواد الدراسية وميادين الحياة ومبادئها ومعتقداتها ، فاستهان الطالب بالعملية التعليمية ، أصبحت الشهادة العلمية مسمى من أجل وظيفة ليكون على عتبة الحياة ،  عبئا على نفسه وعلى الآخرين ، وأرى لإصلاح هذا المسار لا يكون إلا بتدريس مادة فلسفة العلوم على طلابنا في مراحل الدراسية المتقدمة ، وأن يكون القائمون على العملية التعليمية على دراية بفلسفة المادة في محاولة لربط المادة الدراسية بما يتلاءم مع مبادئ الحياة ومعتقداتها والقضايا المعاصرة .

 هذه مجرد فكرة تراودني آمل لها أن تجد طريق إلى جامعتنا ، وأسأل الله أن تكون على أيديكم ، فلديك من المقومات لتحقيق ذلك.

سبق النشر بموقع جيل الليبى بالعام 2007

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

The emirate of the Banū Tellīs in the 15th c. CE / إمارة بني تليس في القرن 15 م

                         Introduction The Banū Tellīs are linked to the city of Bani Walid, ca 180 km SE of Tripoli. The name Warfalla — the...