الأربعاء، 7 سبتمبر 2016

الطبيب الجراح أبو الفرج بن القف (630-685 هـ/1233-1286م) ......د.زكية القعود



هو أمين الدولة أبو الفرج موفق الدين بن يعقوب بن القف. ولد بمدينة الكرك بالأردن في يو م السبت ثالث عشر من ذي القعدة عام (630هـ/1232م)، أيام حكم الملك الناصر يوسف بن محمد.

عرف ابن القف بذكائه وشغفه بالعلم والحكمة والفلسفة. كان من بين الذين تعلم على أيديهم الشيخ شمس الدين عبد الحميد الخسر وعلى عز الدين الحسن الغنوى الضرير، وقرأ الطب على الحكيم نجم الذين المنفاح، وعلى موفق الدين يعقوب السامري وعلى ابن أبي أصيبعة.

خدم ابن القف بصناعة الطب في قلعة "عجلون"، وأقام بها عدة سنين، ثم عاد إلى دمشق، وخدم في قلعتها. واستمر في ممارسة مهنته الطبية، بالإضافة إلى قيامه بالتعليم والبحث والتأليف، حتى وفاته بها في جمادى الأولى عام (685هـ/1286م).

ومن مؤلفاته كتاب "الشافي" وكتاب "جامع الغرض في حفظ الصحة ودفع المرض"،  الذي ذكر فيه المغزى العام لحفظ الصحة، والعناية والوقاية من الأمراض ، وفيه يشير أكثر من مرة إلى كتابه "الشافي" مؤكدا الاعتقاد بأن "جامع الغرض" كان قد كتب مؤخرا . وقد ترجم إلى اللاتينية. ولهذا الكتاب أهمية خاصة بالنسبة لتاريخ علم الأجنة وعلم الأمراض النسائية والصحة العامة. يقول عنه الدكتور سامي حمارنه: "إنه يشتمل على العديد من الأفكار الأصيلة والملاحظات الذاتية". يحتوي الكتاب على ستين فصلا، منها ثلاثة عشر فصلا تهتم بالأجنة البشرية والعناية بصحة الطفل، من ولادته وخلال حياته، سواء أكان في صحته أم خلال سفره برا أو بحرا.

كما اهتم ابن القف في كتابه هذا بكل العوامل المسؤولة عن ولادة الطفل، والوسائل التي بواسطتها يتنبأ بجنس الجنين، وكذلك مظهر الطفل بالنسبة لأبويه أو أجداده، والوراثة والعلوم التطبيقية، وعلوم الحياة المقارنة.

وقد أشار بتعجب إلى الحقيقة التي تبيّن أن هناك والدين معّوقين وبأطراف مبتورة يولد لهم أولاد كاملو الخلقة. وقد أكد بنفس الدرجة على الجنس (الذكر والأنثى) واشتراك الأم في تشكيل الجنين . وقد أوضح أن الأجزاء الجسدية المفصولة عن جسد الأم تتصل بالأجزاء المفصولة من الوالد، في السائل المنوي وفي الأنثيين، فجسد الجنين وجميع أعضائه تتشكل. وأضاف أن إنتاج الأعضاء الجنسية هي المسؤولة عن جنس الجنين.

ومن كتبه أيضا كتاب "الأصول في شرح الفصول" و"شرح الكليات من كتاب القانون لابن سينا"، ومقالة في حفظ الصحة، إضافة إلى كتابه "العمدة".

يعد كتابه "الشافي في الطب" من أعظم كتبه العلمية والأدبية، ويتكون من اثنتي عشرة مقالة، وهو موسوعة طبية. يقول عنه سامى حمارنه إنه الكتاب الأول من نوعه، ولأكثر من ألف عام لم يؤلف كتاب مثله في الأردن. ويتكون الكتاب من قسمين : القسم النظري في أربع مقالات : في حد الطب وتعريفه وأموره الطبيعية والخارجية. وفي الأسباب واللوازم من جهة الصحة العامة والعمر والدلائل. أما القسم الثاني فيتكون من ثماني مقالات : في الحميات والسموم والانفعالات النفسية وأمراض آلات الغذاء والتناسل وأمراض المفاصل. وقد أكمله عام (670هـ/1272م).

ومن يطلع على كتابه "العمدة" يتضح له جليا أنه قد مارس علم التشريح. فهو يشترط على الجراح، قبل إجراء أي عملية جراحية أو معالجة عضو مصاب من جسم الإنسان، أن ينظر في أمور أربعة أمزجته ووضعه وجوهره ورتبته في الحسّ . ثم يتحدث عن تلك الأمور الأربعة بالتفصيل، حديث العالم بتشريح جسم الإنسان، وكيفية اختيار الدواء المناسب المتمشي مع نوعية كل عضو. فمثلا يقول عن الحس: "وأما أمر الحسّ ، فأعلم أن من الأعضاء ما هو قوى الحسّ كاللحم الأحمر، ومنه ما هو قليله كاللّحم الغددي .

فما كان من الأعضاء من قبيل الأول، وحصل فيه ورم، راعينا في مداواته أمرين : أحدهما ألا نورد عليه أدوية شديدة اللدغ، لئلا يحصل منها وجع لا يطاق تداركه. والثاني: ألا نورد عليها مخدرا عند الاحتياج إلى استعمالها، وذلك لئلا يضعف حسّها أو يبطل.

ومن إشاراته كذلك قوله أثناء حديثه عن تشريح الشرايين والأوردة: "هذا قول فاسد من وجهين: أن التشريح قد دل على أن الأوردة تخالف الشرايين، فالشرايين مركبة من طبقتين، مثل شرايين الصدر لحركتها، والأوردة مركبة من طبقة واحدة". ثم يضيف فيقول: "طبقات الشرايين أصلب من طبقات الأوردة  على ما ثبت في التشريح".

استطاع ابن القف أن يفسر علاقة الشرايين بالأوردة تفسيرا صحيحا، وذلك في أثناء حديثه عن مجاورة الشرايين للأوردة حيث يقول: "أما مجاورة أحدهما للآخر في أكثر المواضع، فلا يحتاج أحدهما إلى الآخر، وذلك ليربط أحدهما بالآخر، ولتستفيد الأوردة من الشرايين حرارة طابخة لما فيها، وحياة تسرى فيها وفيما داخلها. والشرايين منها لطيف الدم وبخاريته، وذلك في المسام المفضية من أحدهما إلى الآخر الخفية عن الحس". كما وصف في كتابيه: "الشافي في الطب" و"العمدة" توزيع الأوردة والشرايين وارتباطها بعضها ببعض. كما أنه أدرك وظيفة الصمامات القلبية في السماح للدم أن يجرى في اتجاه واحد. كما يقول إن الدم في الشريان الرئوي والوريد يغذي الرئتين ويرطب ويهوي القلب بالهواء البارد. وغير ذلك من الإشارات التي سوف نتطرق إليها فيما بعد.

ومن العمليات الجراحية التي قام بها ابن القف، والتي تدل على مهارته ومعرفته بعلم التشريح عملية "شق الحنجرة" التي يقول بصددها: "إذ حصل ورم في الحلق أو في المريء، وتعذر إدخال الهواء البارد إلى جهة القلب، وخفت على العليل الهلاك، ولم يكن في الرقبة آفة، فشق حينئذ قصبة الرئة". ثم يوضح كيفية عمل ذلك فيقول: " تمد الحلق بصنارة، ثم شق حتى تظهر العروق والشرايين التي هناك، ثم بعد هذا شق الغشائين والغضاريف، ثم اترك ذلك إلى حين تصلح العلة، ثم تجمع شفتي الجلد، وتخيط وتداوى بما يلحم ذلك، ولا تتعرض لخياطة الغضروف أصلا. والله اعلم".

الهوامش:

(1)       انظر ترجمته في كل من ابن بطلان : دعوة الأطباء ، ص 137.
 (2) ابن أبى أصيبعة :عيون الأنباء ،3/ 444-445.. العمرى ، ابن فضل الله :مسالك الأبصار في ممالك الأمصار ( القاهرة ، 1924م) 5/ 1204. كذلك الزركلى : الأعلام ، 8/212
(3) سامى حمارنه : الطبيب والجراح أبو الفرج ابن القف ، عصره وحياته وأعماله –دار أطلس ( القاهرة).
(4)     ابن القف : العمدة في الجراحة الجزء الاول

هناك تعليقان (2):

  1. كيف أستطيع الحصول على كتاب( الطبيب الجراح أبو الفرج ابن القف الوارد في المقال)
    سواء مصورا أو مطبوعات.

    ردحذف
  2. كيف أستطيع الحصول على كتاب( الطبيب الجراح أبو الفرج ابن القف الوارد في المقال)
    سواء مصورا أو مطبوعات.

    ردحذف

تاريخ علم التشريح عند أطباء العرب المسلمين...د.زكية بالناصر القعود

     يحاول  الباحث هنا أن يهتم بجانب من التراث الطبي الإسلامي وهذا فى الحقيقة يعنى التاريخ له وللمرحلة التى نشأ فيها وإبراز الاكتشافات العلم...