الجمعة، 23 سبتمبر 2016

بحث علمي : العوامل التي أثرت على الحياة الثقافية في طرابلس خلال العهود الإسلامية ..د.زكية القعود



إن البحث في هذا الموضوع ليس أمراً سهلاً، ومرد ذلك إلى استحالة الحصول على معلومات وافية حول جوانبه المختلفة ، لان ما يتوفر عنه ينحصر في المخطوطات والوثائق والتي مازالت في حاجه للمزيد من التحقيق والبحث عنها في مكتبات العالم .كما إن ما كتب حول الثقافة الليبية ، هو عبارة عن كتابات متفرقة وعامة بالإضافة إلى تشابك المعلومات ،وربما يعود ذلك إلى طبيعة و موقع طرابلس.

ومهما يكن من أمر فإن ليبيا التي هي جزء من المغرب العربي ، قامت بدور كبير في مجال الفكر والثقافة ضمن ما قدمته هذه المنطقة من إسهامات في الحضارة الإسلامي.

وعند التحدث عن الجانب الثقافي في طرابلس ومقارنتها بجاراتها في العهود الإسلامية ، أن نكون موضوعين غير متحاملين أو مدافعين .. بحيث لا نقول إن الحياة الثقافية في طرابلس ، كانت على قدم وساق مع المراكز الثقافية الكبرى في المغرب العربي مثل تونس و فأس ، ولا نبالغ بنفي دورها ، بل علينا أن ننظر إلى الموضوع نظرة تحليلية واقعية موضوعية من خلال استقراء المصادر التاريخية التي بين أيدينا ، والبحث عن المفقود منها لإظهار دور طرابلس في الحياة الثقافية .

تجدر الإشارة هنا الى أنه من الصعب الفصل بين التاريخ السياسي لطرابلس وبين الجانب الثقافي ، لان هذا يعكس ويبرز وضع طرابلس بين المراكز الإسلامية المجاورة ( تونس ، القاهرة ، مراكش ) إذا يتضح لنا من خلال دراسة التاريخ السياسي أثره على الحياة الثقافية من حيث الازدهار والضعف ،وعلى ضوئه سنتفهم بموضوعية مكانة طرابلس الثقافية ، وهي وإن كانت لا تضاهي المراكز الأخرى إلا إن ما كان بها من علماء وما قدموه من ذخائر العلوم الدينية والدنيوية في الحضارة الإسلامية لا يستهان به .
وعلينا قبل أن نمضي في تتبع ملامح الحياة الثقافية في طرابلس خلال الفترة التي نعالجها ، يجدر بنا أن نتوقف هنيهة لنحاول تعليل ضعف الحياة الثقافية في من خلال طرح السؤال التالي لماذا لم تشتهر ليبيا في مجال العلوم العقلية خاصة ،والعلوم الأخرى عامة كما هو الحال في مصر وتونس المغرب والعراق ....

وللمعالجة هذا الموضوع رآنا أن نظر الى ذلك من خلال معرفة المؤثرات التي أثرت في الحياة الثقافية التي منها والسلبية الايجابية .

اولا المؤثرات السلبية : 

إن الظروف السياسية التي سادت طرابلس كانت في بعض العهود غير مساعدة على نمو وازدهار الحياة الثقافية فيها ، حيث ان الفترات التي كانت تتوافر فيها ظروف الاستقرار كانت أقصر إذا قسناها بتلك الفترات الأخرى التي كانت تتسم بالفوضى والاضطراب ومن أسباب ذلك ما يلي :

سوء الإدارة ، الصراع العقائدي 3- الصراع السياسي-4-الهجرات العربية 5- فقدان الإدارة المركزية 6- العوائق الجغرافية 7- اتساع الهوية لم تكن الحدود و الأقاليم واضحة المعالم في العهود الإسلامية ، فكان المسلمون مواطنين في عالم الاسلامي واحد حر لا يعترف بشيء من الحدود السياسية ، مما جعل العالم أو طالب العلم يتنقل بين الأقاليم الإسلامية لا ينتسب إلى طرابلس ولا إلى تونس والى مصر بل إلى الإسلام ويرى أن جميع الأقاليم الإسلامية وطنه . لذا نجد كثير من علماء الشرق استقروا في الغرب وبالعكس ، ولكن ربما يقال هذا عالم مشرقي أو مغربي أو فارسي ولا يقال هذا تونسي وهذا مصري وهذا عراقي ، فوحدة الدين هي الغالبة بين العرب في العهود الإسلامية .

ثانيا المؤثرات الايجابية: 

1- الموقع 2-انتشار الإسلام وارساء اللغة العربية 3- ازدهار الجانب الاقتصادي 4- الحكم الذاتي واستقرار الأوضاع السياسية ثم عرجنا على العوامل التي عملت على أثراء الحياة الثقافية : منها المساجد والرباطات الزوايا ، المكتبات والدكاكين الوراقين و المدارس و الرحلات و المناظرات. منها أبرزنا الإنتاج الفكري في العلوم العقلية .

على الرغم من عدم وصول الكثير من المخطوطات والوثائق التي تشير إلى الحياة الثقافية في طرابلس طوال العصور الاسلامية غير أنه يمكن أن نستدل مما وصلنا على أن هناك علماء ومشائخ كانوا ذا علم واسع ، وساهموا مساهمة فعالة في النشاط الفكري في المغرب العربي.وإن كان يغلب على نشاطهم الفكري العلوم الدينية . إلا أن العلوم العقلية كان له نصيب من ضمن إنتاجهم الفكري ولكن لا نستطيع إعطاء صورة واضحة عن هذه العلوم في تلك الفترة (العصور الاسلامية ) نظرا لضياع أغلبها ، بسبب النكبات التي تعرضت لها البلاد ، مما ادى إلى ضياع الكثير من تراثها في هذا المجال خاصة ً .وما سلم من هذا التراث لا يزال حبيس دور المخطوطات والخزائن الخاصة ، وبعضه لم يتح للدارسين معرفته حتى الآن .

في هذه الورقات نشير إلى ما حصلت عليه في -العلوم العقلية -التي أسهم بها أجدادنا في صرح الحضارة الإسلامية . وهو يدل على مكانتهم بين العلماء ، كما يعطينا دفعه إلى المزيد من البحث والدراسة في المخطوطات التي تملاء خزائن دول الجوار في المغرب أو المشرق .ومن هذه العلوم علم التاريخ وعلم الفرائض وعلم الحساب وعلم الفلك وعلم الطب و من هذا العرض أتضح لنا لم تكن طرابلس كما ذكرها العبدري " دار جهل أفقرت ظهرا وباطنا " بل كانت فيها خفقات حية لنشاط فكري له قيمة في ظل تلك المؤثرات السلبية ويبقي لجلة من علمائها دورهم في نشر الثقافة في ربوع المغرب العربي .كما يتضح لنا من هذا الطرح أن هناك الكثير مندثر ومتفرق بين خزائن المخطوطات في العالم يحتاج الى البحث عنه .أن علمائنا ضربوا لنا صورة حيه من الجهاد في سبيل الحصول على العلم رغم تلك التحديات التي كانت تواجهم اذا ما قارن ذلك بعلماء تونس والمغرب ومصر الذين كانوا في مناخ خصب يشجع على العلم والتعلم . 

لهذا علينا المزيد من البحث والتنقيب سيعا وراء الحقيقة . اجتهادا في سبيل سدّ الثغرات الكثيرة الناجمة عن ضياع أو احتجاب الكثير من الانتاج الفكري الليبي خاصة في العهود الإسلامية. لإزالة الصورة القاتمة المهزوزة عن تاريخنا الثقافي .·     

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تاريخ علم التشريح عند أطباء العرب المسلمين...د.زكية بالناصر القعود

     يحاول  الباحث هنا أن يهتم بجانب من التراث الطبي الإسلامي وهذا فى الحقيقة يعنى التاريخ له وللمرحلة التى نشأ فيها وإبراز الاكتشافات العلم...